الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      [ ص: 192 ] كتاب الاستحقاق قال سحنون : قلت لعبد الرحمن بن القاسم : أرأيت إن استأجرت أرضا من رجل سنين ، على أن أسكن فيها أو أبني أو أغرس ، ففعلت فبنيت وغرست وزرعت ، ثم استحق الأرض رجل قبل انقضاء الأجل ؟ فقال : لا شيء على الذي آجره إن كان الذي آجره الأرض إنما كان اشترى الأرض ، فالكراء له ; لأن الكراء له بالضمان إلى يوم استحق ما في يديه من السكنى ، فإن كانت للزرع فاستحقت وقد فات إبان الزرع ، فليس للمستحق من كراء تلك السنة شيء ، وهو مثل ما مضى وفات .

                                                                                                                                                                                      قلت : وإن كان مضى من السنين شيء ، وإن كان إبان الزرع لم يفت ، فالمستحق أولى بكراء تلك السنة وإن كانت من الأرض التي يعمل فيها السنة كلها ، فهي مثل السكنى . إنما يكون له من يوم استحق وما مضى فهو للأول ، ويكون المستحق بالخيار فيما بقي من السنين . فإن شاء أجاز الكراء إلى المدة ، وإن شاء نقض . فإن أجاز إلى المدة ، فله إن شاء إذا انقضت المدة أن يأخذ النقض والغرس بقيمته مقلوعا ، وإن شاء أمر صاحبه بقلعه . فإن أبى أن يخير وفسخ الكراء ، لم يكن له أن يقلع البناء ولا يأخذه بقيمته مقلوعا ، ولكنه بالخيار ، إن شاء أعطاه قيمته قائما وإن أبى قيل للباني أو الغارس : أعطه قيمة الأرض . فإن أبيا كانا شريكين وهكذا هذا الأصل في البنيان والغرس .

                                                                                                                                                                                      وأما الأرض التي تزرع مرة في السنة ، فليس له فسخ كراء تلك السنة التي استحق الأرض فيها ; لأنه قد وجب كراؤها له ، وإن كانت أرضا تعمل السنة كلها ، فله من يوم يستحقها وإن أراد الفسخ لزمه تمام البطن التي هو فيها على حساب السنة وفسخ ما بقي ; لأن المكتري ليس بغاصب ولا متعد ، وإنما زرع على وجه الشبهة ، ومما يجوز له . وإن كان رجل ورث تلك الأرض ، فأتى رجل فاستحقها أو أدرك معه شريكا ، فإنه يتبع الذي أكراها بالكراء ; لأنه لم يكن ضامنا لشيء ، [ ص: 193 ] وإنما أخذ شيئا ظن أنه له ، فأتى من هو أحق به منه ، مثل الأخ يرث الأرض فيكريها فيأتي أخ له لم يكن عالما به ، أو علم به ، فيرجع على أخيه بحصته من الكراء إن لم يكن حابى في الكراء ، فإن حابى رجع بتمام الكراء على أخيه إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال رجع على المكتري سحنون : وغير ابن القاسم يقول : يرجع على المكتري ولا يرجع على الأخ بالمحاباة ، كان للأخ مال أو لم يكن له مال ، إلا أن يكون للمكتري مال فيرجع على أخيه . وهذا إذا علم بأن له أخا ، فإن لم يعلم ، فإنما يرجع بالمحاباة على المكتري .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وإن كان إنما يسكنها ويزرعها لنفسه ، وهو لا يظن أن معه وارثا غيره ، فأتى من يستحق معه ، فلا كراء عليه فيها ; لأني سألت مالكا عن الأخ يرث الدار فيسكنها فيأتي أخ له بعد ذلك . فقال : إن كان علم أن له أخا أغرمته نصف كراء ما سكن ، وإن كان لم يعلم ، فلا شيء ، وكذلك في السكنى . وقد قال عبد الرحمن بن القاسم : وأما الكراء عندي فهو مخالف للسكنى ، له أن يأخذ منه نصف ما أكراها به - علم أو لم يعلم - لأنه لم يكن ضامنا لنصيب أخيه ، ونصيب أخيه في ضمان أخيه ليس في ضمانه ، وإنما أجيز له السكنى إذا لم يعلم على وجه الاستحسان ; لأنه لم يأخذ لأخيه مالا ، وعسى أنه لو علم لم يسكن نصيب الأخ ، ولكان في نصيبه من الدار ما يكفيه سحنون : وقد روى علي بن زياد عن مالك : أن له عليه نصف كراء ما سكن .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية