الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                4979 [ ص: 105 ] كتاب ذكر رحمة الله .

                                                                                ( 1 ) ما ذكر في سعة رحمة الله تعالى

                                                                                ( 1 ) حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه : إن رحمتي تغلب غضبي .

                                                                                ( 2 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن الهيثم عن حسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنتم لا تذنبون لجاء الله بخلق يذنبون فيغفر لهم .

                                                                                ( 3 ) حدثنا أبو معاوية حدثنا العلاء بن منصور عن ليث بن سعد عن محمد بن قيس عن أبي صرمة عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم .

                                                                                ( 4 ) حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال : لما أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض رأى عبدا على فاحشة ، فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر فدعا عليه فهلك ، فقال الله : أنزلوا عبدي لا تهلكوا عبادي .

                                                                                ( 5 ) حدثنا وكيع عن زياد بن خيثمة عن نعيم بن أبي هند عن ربعي عن حذيفة قال : المؤمنون مستغنون عن الشفاعة ، إنما هي للمذنبين .

                                                                                ( 6 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يد الله تبسطان لمسيء الليل أن يتوب بالنهار ولمسيء النهار أن يتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها [ ص: 106 ]

                                                                                ( 7 ) حدثنا محمد بن فضيل عن أبي سنان عن أبي وائل قال : إن الله يستر العبد يوم القيامة فيستره بيده فيقول : تعرف ما هاهنا ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول : أشهدك أني قد غفرت لك .

                                                                                ( 8 ) حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن داود عن أبي عثمان عن سلمان قال : خلق الله مائة رحمة فجعل منها رحمة بين الخلائق ، كل رحمة أعظم ما بين السماء والأرض فيها تعطف الوالدة على ولدها وبها شرب الطير والوحش الماء فإذا كان يوم القيامة قبضها الله من الخلائق فجعلها والتسع والتسعين للمتقين فذلك قوله : ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون .

                                                                                ( 9 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة فجعل في الأرض منها رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والبهائم بعضها على بعض ؛ وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة رحمة .

                                                                                ( 10 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن جامع بن شداد عن مغيث بن سمي قال : كان رجل فيمن كان قبلكم يعمل بالمعاصي فاذكر يوما فقال : اللهم غفرانك فغفر له .

                                                                                ( 11 ) حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن سعد مولى طلحة عن ابن عمر قال : بينا رجل يقال له الكفل يعمل بالمعاصي فأعجبته امرأة فأعطاها ستين دينارا ، فلما قعد منها مقعد الرجال ارتعدت فقال لها : ما لك ؟ قالت : هذا عمل ما عملته قط ، قال : أنت تجزعين من هذه الخطيئة وأنا أعمله مذ كذا وكذا ، والله لا أعصي الله أبدا ، قال : فمات من ليلته ، فلما أصبح بنو إسرائيل قال : من يصلي على فلان ؟ قال ابن عمر : فوجد مكتوبا على بابه " قد غفر الله للكفل " .

                                                                                ( 12 ) حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن مغيث بن سمي قال : كان رجل يتعبد في صومعته نحوا من ستين سنة ، قال : فمطر الناس فاطلع من صومعته ، فرأى الغدر والخضرة فقال : لو نزلت فمشيت ونظرت ، ففعل فبينما هو يمشي إذ لقيته امرأة فكلمها ، فلم يزل تكلمه حتى واقعها ، قال : فوضع كيسا كان عليه ، فيه رغيف ، [ ص: 107 ] ونزل الماء يغتسل ، فحضر أجله فمر سائل فأومأ إلى الرغيف فأخذه ، ومات الرجل ، فوزن عمله لستين سنة فرجحت خطيئته بعمله ، ثم وضع الرغيف فرجح ، فغفر له .

                                                                                ( 13 ) حدثنا عمر بن سعد عن سفيان عن أبي سلمة عن أبي الزعراء عن عبد الله أن راهبا عبد الله في صومعته ستين سنة ، فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه فنزل إليها فواقعها ست ليال ، ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجدا فأوى إليه فمكث ثلاثا لا يطعم شيئا ، فأتي برغيف فكسر نصفه فأعطى نصفه رجلا عن يمينه ، وأعطى آخر عن يساره ، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه ، فوضع عمل الستين سنة في كفة ووضعت السيئة في كفة ، فرجحت السيئة ، ثم جيء بالرغيف فرجح بالسيئة .

                                                                                ( 14 ) حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه قال : حدثنا أبو عثمان عن أبي بردة قال : لما حضر أبا موسى الوفاة قال : يا بني اذكروا صاحب الرغيف ، قال : كان رجل يتعبد في صومعة أراه قال : سبعين سنة ، لا ينزل إلا في يوم أحد ، قال : فنزل في يوم أحد ، قال : فشبه أو شب الشيطان في عينه امرأة ، فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال ، قال : ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبا ، فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد ، قال : فآواه الليل إلى مكان عليه اثنا عشر مسكينا ، فأدرك الإعياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم ، وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة ، فيعطي كل إنسان رغيفا ، فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفا ، ومر على ذلك الذي خرج تائبا ، فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفا ، فقال المتروك لصاحب الرغيف : ما لك ، لم تعطني رغيفي ، ما كان لك عنه غنى ، قال : تراني أمسكه عنك ، سل هل أعطيت أحدا منكم رغيفين ، قالوا : لا ، قال : إني أمسك عنك والله لا أعطيك شيئا الليلة ، قال : فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه ، فدفعه إلى الرجل الذي ترك فأصبح التائب ميتا ، قال : فوزنت السبعون سنة بالسبع الليالي فلم تزن ، قال : فوزن الرغيف بالسبع الليالي ، قال : فرجح الرغيف ، فقال أبو موسى : يا بني اذكروا صاحب الرغيف .

                                                                                ( 15 ) حدثنا أبو معاوية ويعلى عن الأعمش عن أبي سعيد عن أبي الكنود قال : مر عبد الله على قاص وهو يذكر النار فقال : يا مذكر ، لا تقنط الناس يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [ ص: 108 ]

                                                                                ( 16 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال : لما رأت الملائكة بني آدم وما يذنبون ، قالوا : يا رب يذنبون ، قال : لو كنتم مثلهم فعلتم كما يفعلون ، فاختاروا منكم ملكين ، قال : فاختاروا هاروت وماروت ، فقال لهما تبارك وتعالى : إن بيني وبين الناس رسولا ، فليس بيني وبينكم أحد ، لا تشركا بي شيئا ولا تسرقا ولا تزنيا قال عبد الله : قال كعب : فما استكملا ذلك اليوم حتى وقعا فيما حرم عليهما .

                                                                                ( 17 ) حدثنا محمد بن فضيل عن أبي سنان عن يعقوب بن سفيان الكسري عن عبد الله بن مسعود قال : أتاه رجل قد ألم بذنب فسأله عنه فلها عنه ، وأقبل على القوم بحديثهم فحانت نظرة من عبد الله فإذا عين الرجل تهراق ، فقال : هذا وإنك أهمني ما جئت تسألني عنه ، أن للجنة سبعة أبواب كلهما يفتح ويغلق غير باب التوبة ، موكل به ملك فاعمل ولا تيأس .

                                                                                ( 18 ) حدثنا زيد بن الحباب عن علي بن مسعدة قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .

                                                                                ( 19 ) حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة قال : إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فأنظره إلى يوم الدين ، قال : وعزتك لا أخرج من جوف أو قلب ابن آدم ما دام فيه الروح ، قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح .

                                                                                ( 20 ) حدثنا عبد الله بن نمير عن مالك بن مغول قال : كان في زبور داود مكتوبا : إني أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة ، وأيما قوم كانوا على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة ، لا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولا تتوبوا إليهم ، توبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم .

                                                                                ( 21 ) حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن عبد الله قال : بينما رجل ممن كان قبلكم كان في قوم كفار ، وكان فيما بينهم قوم صالحون ، قال : فطالما كنت في كفري ، لآتين هذه القرية الصالحة ، فأكونن رجلا من أهلها ، فانطلق فأدركه الموت ، فاحتج فيه الملك والشيطان ، يقول هذا : أنا أولى به ، [ ص: 109 ] ويقول هذا : أنا أولى به ، إذ قيض الله بعض جنوده فقال لهما : قيسوا ما بين القريتين ، فأيتهما كان أقرب إليها فهو من أهلها ، فقاسوا ما بينهما ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة ، فكان منهم .

                                                                                ( 22 ) حدثنا يزيد بن هارون عن همام بن يحيى قال حدثنا قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : لا أخبركم إلا ما سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته أذناي ووعاه قلبي أن عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا ثم عرضت له التوبة ، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل فأتاه فقال : إني قتلت تسعة وتسعين نفسا فهل لي من توبة ؟ قال : بعد قتل تسعة وتسعين نفسا ؟ قال : فانتضى سيفه فقتله ، فأكمل به مائة ، ثم عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل فأتاه فقال : إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة ؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة ، اخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا ، فاعبد ربك فيها ، قال : فخرج يريد القرية الصالحة فعرض له أجله في الطريق ، قال : فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال إبليس : أنا أولى به لم يعصني ساعة قط ، فقالت ملائكة الرحمة : إنه خرج تائبا ، قال همام : فحدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع قال : فبعث الله إليه ملكا فاختصموا إليه ، ثم رجع إلى حديث قتادة فقال : انظروا أي القريتين كانت أقرب إليه فألحقوه بها ، قال : فحدثني الحسن قال : لما عرف الموت [ احتقر بنفسه ] فقرب الله منه القرية الصالحة وباعد منه القرية الخبيثة ، فألحقه بأهل القرية الصالحة .

                                                                                ( 23 ) حدثنا يزيد بن هارون عن همام بن يحيى قال حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد عبد الله بن عمر فأتاه رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ، يستره من الناس ، فيقول : أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : أي نعم رب ، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ، ثم يؤتى بكتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين [ ص: 110 ]

                                                                                ( 24 ) حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن عون قال : بدئ بالعفو قبل الذنب عفا الله عنك لم أذنت لهم .

                                                                                ( 25 ) حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خرج رجل من قرية يزور أخا له في قرية أخرى ، قال : فأرسل الله له ملكا فجلس على طريقه فقال : أين تريد ؟ فقال : أريد أخا لي أزوره في الله في هذه القرية ، فقال : هل له عليك من نعمة تربها ؟ قال : لا ولكني أحببته في الله ، قال : إني رسول ربك إليك ، إنه قد أحبك فيما أحببته فيه .

                                                                                ( 26 ) حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن حبيب عن عروة بن عاصم قال : إن الرجل لتعرض عليه ذنوبه فيمر بالذنب فيقول : قد كنت منك شفقا فيغفر الله له .

                                                                                ( 27 ) حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال : إن للمقنطين حبسا يطأ الناس على أعناقهم يوم القيامة

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية