الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه

                                                                                                          2595 حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف آخر أهل النار خروجا رجل يخرج منها زحفا فيقول يا رب قد أخذ الناس المنازل قال فيقال له انطلق فادخل الجنة قال فيذهب ليدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول يا رب قد أخذ الناس المنازل قال فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه فيقول نعم فيقال له تمن قال فيتمنى فيقال له فإن لك ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا قال فيقول أتسخر بي وأنت الملك قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن إبراهيم ) هو النخعي ، ( عن عبيدة ) بفتح أوله ابن عمرو ( السلماني ) بسكون اللام ويقال بفتحها المرادي ، أبي عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت ، كان شريح إذا أشكل عليه شيئا سأله .

                                                                                                          قوله : ( إني لأعرف آخر أهل النار خروجا ) زاد البخاري ، وكذا مسلم : وآخر أهل الجنة دخولا . قال القاري : الظاهر أنهما متلازمان ، فالجمع بينهما للتوضيح ، ولا يبعد أن يكون احترازا مما عسى أن يتوهم من حبس أحد في الموقف من أهل الجنة حينئذ ( رجل يخرج منها ) أي من النار ( زحفا ) ، وفي رواية للشيخين : حبوا . قال النووي : قال أهل اللغة ، الحبو المشي على اليدين والرجلين ، وربما قالوا على اليدين والركبتين ، وربما قالوا على يديه ومقعدته . وأما [ ص: 271 ] الزحف فقال ابن دريد وغيره : هو المشي على الاست مع إشرافه بصدره ، فحصل من هذا أن الحبو والزحف متماثلان أو متقاربان ، ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو . انتهى . ( قال فيذهب ليدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول يا رب قد أخذ الناس المنازل ) يعني وليس لي مكان فيها . وفي رواية للشيخين قال : فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى ( فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه ) أي الدنيا كذا قال الحافظ ( فيقال له تمن ) أمر مخاطب من التمني ، وفي بعض النسخ تمنه بزيادة هاء السكتة ( فيقال له : فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا ) وفي رواية عشرة أمثال الدنيا . قال النووي : هاتان الروايتان بمعنى واحد . وإحداهما تفسير الأخرى ، فالمراد بالأضعاف الأمثال ، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل انتهى ( فيقول أتسخر بي وأنت الملك ) قال النووي : في معنى أتسخر بي أقوال : أحدها : قاله المازري إنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه ; لأنه عاهد الله مرارا أن لا يسأله غير ما سأل ، ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية ، فقدر الرجل أن قول الله تعالى له : ادخل الجنة ، وتردده إليها وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له ، فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال : تسخر بي أي تعاقبني بالإطماع .

                                                                                                          والقول الثاني : قاله أبو بكر الصيرفي أن معناه نفي السخرية ، التي لا تجوز على الله تعالى . كأنه قال أعلم أنك لا تهزأ بي ؛ لأنك رب العالمين ، وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ، ولكن العجب أنك أعطيتني هذا ، وأنا غير أهل له ، قال والهمزة في " أتسخر بي " همزة نفي ، قال : وهذا كلام منبسط متدلل ، والقول الثالث : قال القاضي عياض أن يكون صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه ، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق ، وهذا كما قال النبي : -صلى الله عليه وسلم- في الرجل الآخر إنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال : أنت عبدي وأنا ربك ، انتهى . ( ضحك حتى بدت نواجذه ) قال النووي : هو بالجيم والذال المعجمة . قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة ، [ ص: 272 ] وغريب الحديث وغيرهم ، المراد بالنواجذ هنا الأنياب ، وقيل : المراد بالنواجذ هنا الضواحك ، وقيل : المراد بها الأضراس وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة ، ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه . قال وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا يسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية