الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صفة طعام أهل النار

                                                                                                          2586 حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عاصم بن يوسف حدثنا قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم فيقولون ادعوا خزنة جهنم فيقولون ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال قال فيقولون ادعوا مالكا فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك قال فيجيبهم إنكم ماكثون قال الأعمش نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام قال فيقولون ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال فيجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلمون قال فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل قال عبد الله بن عبد الرحمن والناس لا يرفعون هذا الحديث قال أبو عيسى إنما نعرف هذا الحديث عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قوله وليس بمرفوع وقطبة بن عبد العزيز هو ثقة عند أهل الحديث

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عاصم بن يوسف ) اليربوعي أبو عمرو الكوفي الحافظ روى عن قطبة بن عبد العزيز وغيره ، وعنه الدارمي وغيره ، وثقه مطين والدارقطني وابن حبان ومحمد بن عبد الله الحضرمي كذا في الخلاصة وتهذيب التهذيب ( عن شمر ) بكسر أوله وسكون الميم ( ابن عطية ) الأسدي الكاهلي الكوفي صدوق من السادسة .

                                                                                                          قوله : ( يلقى ) أي يسلط على أهل النار ( الجوع ) أي الشديد ( فيعدل ) بفتح الياء وكسر الدال ، أي فيساوي الجوع ( ما هم فيه من العذاب ) المعنى أن ألم جوعهم مثل ألم سائر عذابهم ( فيستغيثون ) أي بالطعام ( فيغاثون بطعام من ضريع ) كأمير وهو نبت بالحجاز له شوك لا تقربه [ ص: 261 ] دابة لخبثه ولو أكلت منه ماتت . والمراد هنا شوك من نار أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأحر من النار ( لا يسمن ) أي لا يشبع الجائع ولا ينفعه ولو أكل منه كثيرا ( ولا يغني من جوع ) أي ولا يدفع ولو بالتسكين شيئا من ألم الجوع . وفيه إيماء إلى قوله تعالى : ليس لهم طعام إلا من ضريع إلى آخره ( فيستغيثون بالطعام ) أي ثانيا لعدم نفع ما أغيثوا أولا ( فيغاثون بطعام ذي غصة ) أي مما ينشب في الحلق ، ولا يسوغ فيه من عظم وغيره لا يرتقي ولا ينزل ، وفيه إشعار إلى قوله تعالى : إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما . والمعنى أنهم يؤتون بطعام ذي غصة فيتناولونه فيغصون به ( فيذكرون أنهم كانوا يجيزون ) من الإجازة بالزاي أن يسيغوا ( الغصص ) جمع الغصة بالضم وهي ما اعترض في الحلق من عظم وغيره . والمعنى أنهم كانوا يعالجونها ( في الدنيا بالشراب فيستغيثون ) أي على مقتضى طباعهم ( بالشراب ) أي لدفع ما حصل لهم من العذاب ( فيرفع إليهم الحميم ) بالرفع أي يدفع أطراف إناء فيه الحميم وهو الماء الحار الشديد ( بكلاليب الحديد ) جمع كلوب بفتح كاف وشدة لام مضمومة حديدة له شعب يعلق بها اللحم ، كذا في المجمع . وقال النووي : الكلاليب جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم ويرسل في التنور ، انتهى ( فإذا دنت ) أي قربت أواني الحميم ( شوت وجوههم ) أي أحرقتها ( فإذا دخلت ) أي أنواع ما فيها من الصديد والغساق وغيرهما ( قطعت ما في بطونهم ) من الأمعاء قطعة قطعة ( فيقولون ادعوا خزنة جهنم ) نصب على أنه مفعول ادعوا ، وفي الكلام حذف أي يقول الكفار بعضهم لبعض ادعوا خزنة جهنم فيدعونهم ويقولون لهم : ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ( فيقولون ) أي الخزنة ( ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قال ا ) أي الكفار ( بلى قالوا ) أي الخزنة تهكما بهم ( فادعوا ) أي أنتم ما شئتم فإنا لا نشفع للكافر ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) أي في ضياع ; لأنه لا ينفعهم حينئذ دعاء لا منهم ولا من غيرهم . قال الطيبي : الظاهر أن خزنة جهنم ليس بمفعول ( ادعوا ) بل هو منادى ليطابق قوله تعالى : وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب وقوله : ( ألم تك تأتيكم ) إلزام للحجة وتوبيخ [ ص: 262 ] وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع وعطلوا الأسباب التي يستجيب لها الدعوات ، قالوا : فادعوا أنتم فإنا لا نجترئ على الله في ذلك ، وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة ولكن للدلالة على الخيبة فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافرين ( قال ) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- ( فيقولون ) أي الكفار ( ادعوا مالكا ) والمعنى أنهم لما أيسوا من دعاء خزنة جهنم لأجلهم وشفاعتهم لهم أيقنوا أن لا خلاص لهم ولا مناص من عذاب الله ( فيقولون يا مالك ليقض ) أي سل ربك داعيا ليحكم بالموت ( علينا ربك ) لنستريح ، أو من قضى عليه إذا أماته ، فالمعنى ليمتنا ربك فنستريح ( قال ) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- ( فيجيبهم ) أي مالك جوابا من عند نفسه أو من عند ربه تعالى بقوله : ( إنكم ماكثون ) أي مكثا مخلدا ( قال الأعمش نبئت ) بتشديد الموحدة المكسورة أي أخبرت ( أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ) أي بهذا الجواب ( قال فيقولون ) أي بعضهم لبعض ( فلا أحد ) أي فليس أحد ( خير من ربكم ) أي في الرحمة والقدرة على المغفرة ( غلبت علينا شقوتنا ) بكسر فسكون وفي قراءة بفتحتين وألف بعدهما ، وهما لغتان بمعنى ضد السعادة . والمعنى سبقت علينا هلكتنا المقدرة بسوء خاتمتنا ( وكنا قوما ضالين ) عن طريق التوحيد ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) وهذا كذب منهم فإنه تعالى قال : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ( قال فيجيبهم ) أي الله بواسطة أو بغيرها إجابة إعراض اخسئوا فيها أي ذلوا وانزجروا كما ينزجر الكلاب إذا زجرت . والمعنى ابعدوا أذلاء في النار ولا تكلمون أي لا تكلموني في رفع العذاب فإنه لا يرفع ولا يخفف عنكم ( قال فعند ذلك يئسوا ) أي قنطوا ( من كل خير ) أي مما ينجيهم من العذاب أو يخففه عنهم ( وعند ذلك ) أي أيضا ( يأخذون في الزفير ) قيل الزفير أول صوت الحمار كما أن الشهيق آخر صوته . قال تعالى : لهم فيها زفير وشهيق وقال المنذري في الترغيب : الشهيق في الصدر والزفير في الحلق . وقال ابن فارس : الشهيق ضد الزفير ; لأن الشهيق رد النفس والزفير إخراج النفس . وروى البيهقي عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : لهم فيها زفير وشهيق قال صوت شديد وصوت ضعيف ، انتهى . [ ص: 263 ] ( والحسرة ) أي وفي الندامة ( والويل ) أي في شدة الهلاك والعقوبة ، وقيل هو واد في جهنم .

                                                                                                          قوله : ( قال عبد الله بن عبد الرحمن ) هو الدارمي ( والناس لا يرفعون هذا الحديث ) بل يروونه موقوفا على أبي الدرداء فهو وإن كان موقوفا لكنه في حكم المرفوع ، فإن أمثال ذلك ليس مما يمكن أن يقال من قبل الرأي .




                                                                                                          الخدمات العلمية