الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه آخر

                                                                                                          267 حدثنا إسحق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يقول الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ويقول من خلف الإمام ربنا ولك الحمد وبه يقول أحمد وقال ابن سيرين وغيره يقول من خلف الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد مثل ما يقول الإمام وبه يقول الشافعي وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( الأنصاري ) هو إسحاق بن موسى الأنصاري ( عن سمي ) بضم السين المهملة وبفتح الميم وشدة الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ثقة ( عن أبي صالح ) اسمه ذكوان السمان الزيات ثقة ثبت من أوساط التابعين .

                                                                                                          قوله : " فقولوا ربنا ولك الحمد " بالواو بعد ربنا وفي رواية للبخاري فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد ، وبوب عليه البخاري : باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد . قال الحافظ في الفتح : وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فإنه من وافق قوله قول الملائكة ) أي في الزمان ، والظاهر أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة ، وقيل الحفظة منهم ، وقيل الذين يتعلمون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة . والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء ، قاله الحافظ في الفتح " غفر له ما تقدم من ذنبه " ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية ، وهو محمول عند العلماء على الصغائر .

                                                                                                          [ ص: 116 ] قوله : ( وبه يقول أحمد ) أي قول الإمام أحمد بأن الإمام يقول : سمع الله لمن حمده فقط ، والمؤتم يقول : ربنا ولك الحمد فقط ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، واستدل هؤلاء بحديث الباب قال الحافظ في الفتح : استدل به ( أي بحديث أبي هريرة إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ) على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد ، وعلى أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده ، لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، وفيه نظر ; لأنه ليس فيه ما يدل على النفي ، بل فيه أن قول المأموم : ربنا ولك الحمد يكون عقب قول الإمام : سمع الله لمن حمده ، والواقع في التصوير ذلك ; لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله ، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله ، فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر . وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين ، فإنه لا يلزم من قوله : إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين ، وليس فيه أن الإمام يؤمن ، كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا ولك الحمد ، لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة . قال : وأما ما احتجوا به من حيث المعنى ، من أن المعنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام ، وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله : ( ربنا ولك الحمد ) . ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره ، ففيه وإذا قال سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، يسمع ما ذكرتم ، فجوابه أن يقال : لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد ، إنما يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا ، وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الإمام مؤمنا . وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما ، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور . والأحاديث الصحيحة تشهد له ، وزاد الشافعي أن المأموم يجمعهما بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شيء ، وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما ، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد ، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد ، انتهى كلام الحافظ باختصار .

                                                                                                          قوله : ( وقال ابن سيرين وغيره : يقول من خلف الإمام : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد إلخ ) احتج هؤلاء بحديث أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ، وفيه ، ثم [ ص: 117 ] يقول : ( سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد إلخ ) بانضمام قوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ، واستدلوا أيضا بما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال . كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سمع الله لمن حمده ، قال من وراءه سمع الله لمن حمده . لكن قد صرح الدارقطني بأن المحفوظ لفظ : إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فليقل من وراءه : اللهم ربنا ولك الحمد ، واستدلوا أيضا بما أخرجه الدارقطني عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بريدة ، إذا رفعت رأسك من الركوع فقل : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، وظاهره عدم الفرق بين كونه منفردا أو إماما أو مأموما ولكن سنده ضعيف . وليس في جمع المأموم بين التسميع والتحميد حديث صحيح صريح ، كما قال الحافظ والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية