الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن الحنفية وابناه ( ع )

                                                                                      السيد الإمام أبو القاسم وأبو عبد الله ، محمد بن الإمام علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ، شيبة بن هاشم ، عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، القرشي الهاشمي ، المدني ، أخو الحسن والحسين ، وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصديق ، وهي خولة بنت جعفر الحنفية .

                                                                                      فروى الواقدي ، حدثني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء قالت : رأيت الحنفية وهي سوداء ، مشرطة حسنة الشعر ، اشتراها علي بذي المجاز ، مقدمه من اليمن ، فوهبها لفاطمة فباعتها ، فاشتراها مكمل الغفاري فولدت له عونة .

                                                                                      [ ص: 111 ] وقيل : بل تزوج بها مكمل ، فولدت له عونة ، وقيل : إن أبا بكر وهبها عليا .

                                                                                      ولد في العام الذي مات فيه أبو بكر .

                                                                                      ورأى عمر ، وروى عنه ، وعن أبيه ، وأبي هريرة ، وعثمان ، وعمار بن ياسر ، ومعاوية ، وغيرهم .

                                                                                      حدث عنه بنوه عبد الله ، والحسن ، وإبراهيم ، وعون ، وسالم بن أبي الجعد ، ومنذر الثوري ، وأبو جعفر الباقر ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وعمرو بن دينار ، ومحمد بن قيس بن مخرمة ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وآخرون .

                                                                                      ووفد على معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وكانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه ، وتدعي إمامته ، ولقبوه بالمهدي ، ويزعمون أنه لم يمت .

                                                                                      قال أبو عاصم النبيل : صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل ، وجلس على صدره . قال : فلما وفد على عبد الملك قال له : أتذكر يوم جلست على صدر مروان؟ قال : عفوا يا أمير المؤمنين . قال : أم والله ما ذكرته لك وأنا أريد أن أكافئك ; لكن أردت أن تعلم أني قد علمت .

                                                                                      الواقدي : حدثنا معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه ، قال : لما صار محمد بن علي إلى المدينة ، وبنى داره بالبقيع ، كتب إلى عبد الملك يستأذنه في الوفود عليه ، فأذن له ، فوفد عليه في سنة ثمان وسبعين إلى دمشق ، فأنزله بقربه ، وكان يدخل على عبد الملك في إذن العامة ، [ ص: 112 ] فيسلم مرة ويجلس ، ومرة ينصرف . فلما مضى شهر ، كلم عبد الملك خاليا ، فذكر قرابته ورحمه ، وذكر دينا ، فوعده بقضائه ، ثم قضاه وقضى جميع حوائجه .

                                                                                      قلت : كان مائلا إلى عبد الملك لإحسانه إليه ، ولإساءة ابن الزبير إليه .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : سمته الشيعة المهدي ، فأخبرني عمي مصعب قال : قال كثير عزة :


                                                                                      هو المهدي أخبرناه كعب أخو الأحبار في الحقب الخوالي

                                                                                      فقيل له : ألقيت كعبا؟ قال : قلته بالتوهم وقال أيضا :


                                                                                      ألا إن الأئمة من قريش     ولاة الحق أربعة سواء
                                                                                      علي والثلاثة من بنيه هم     الأسباط ليس بهم خفاء
                                                                                      فسبط سبط إيمان وبر     وسبط غيبته كربلاء
                                                                                      وسبط لا تراه العين حتى     يقود الخيل يقدمها لواء
                                                                                      تغيب -لا يرى- عنهم زمانا     برضوى عنده عسل وماء

                                                                                      وقد رواها عمر بن عبيدة لكثير بن كثير السهمي .

                                                                                      [ ص: 113 ] قال الزبير كانت شيعة ابن الحنفية يزعمون أنه لم يمت ، وفيه يقول السيد الحميري :


                                                                                      ألا قل للوصي فدتك نفسي     أطلت بذلك الجبل المقاما
                                                                                      أضر بمعشر والوك منا     وسموك الخليفة والإماما
                                                                                      وعادوا فيك أهل الأرض     طرا مقامك عنهم ستين عاما
                                                                                      وما ذاق ابن خولة طعم موت     ولا وارت له أرض عظاما
                                                                                      لقد أمسى بمورق شعب رضوى     تراجعه الملائكة الكلاما
                                                                                      وإن له به لمقيل صدق     وأندية تحدثه كراما
                                                                                      هدانا الله إذ خزتم لأمر     به وعليه نلتمس التماما
                                                                                      تمام مودة المهدي حتى     تروا راياتنا تترى نظاما

                                                                                      وللسيد الحميري :


                                                                                      يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى     وبنا إليه من الصبابة أولق
                                                                                      حتى متى ، وإلى متى ، وكم المدى     يا ابن الوصي وأنت حي ترزق

                                                                                      [ ص: 114 ] قال محمد بن سعد : مولده في خلافة أبي بكر .

                                                                                      الواقدي : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : رأيت أم محمد ابن الحنفية سندية سوداء ، كانت أمة لبني حنيفة ، لم تكن منهم; وإنما صالحهم خالد على الرقيق ، ولم يصالحهم على أنفسهم .

                                                                                      وكناه أبو عمر الضرير والبخاري أبا القاسم .

                                                                                      قال فطر بن خليفة ، عن منذر ، سمع ابن الحنفية يقول : كانت رخصة لعلي قال : يا رسول الله ، إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال : نعم .

                                                                                      وقال يزيد بن هارون : أنبأنا أبو مالك الأشجعي ، حدثنا سالم بن أبي الجعد ، أنه كان مع محمد بن الحنفية في الشعب ، فقلت له ذات يوم : يا أبا عبد الله - وكناه بها .

                                                                                      النسائي ، وأبو أحمد ، وروى ابن حميد ، حدثنا سلمة الأبرش ، حدثنا زهير ، عن يحيى بن سعيد ، قلت لابن المسيب : ابن كم كنت في خلافة عمر؟ قال : ولدت لسنتين بقيتا من خلافته . فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية ، فقال : ذاك مولدي .

                                                                                      [ ص: 115 ] روى الربيع بن منذر الثوري ، عن أبيه قال : وقع بين علي وطلحة كلام ، فقال طلحة : لجرأتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سميت باسمه وكنيت بكنيته ، وقد نهى أن يجمعهما أحد . قال : إن الجريء من اجترأ على الله ورسوله ، اذهب يا فلان فادع لي فلانا وفلانا لنفر من قريش ، فجاءوا فقال : بم تشهدون؟ قالوا : نشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : سيولد لك بعدي غلام ، فقد نحلته اسمي وكنيتي ، ولا تحل لأحد من أمتي بعده رواه ثقتان عن الربيع ، وهو مرسل .

                                                                                      زيد بن الحباب : حدثنا الربيع بن منذر ، حدثنا أبي ، سمعت ابن الحنفية يقول : دخل عمر وأنا عند أختي أم كلثوم ، فضمني وقال : ألطفيه بالحلواء .

                                                                                      سالم بن أبي حفصة : عن منذر ، عن ابن الحنفية ، قال : حسن وحسين خير مني ، ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما ، وإني صاحب البغلة الشهباء .

                                                                                      قال إبراهيم بن الجنيد : لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند ابن الحنفية .

                                                                                      إسرائيل : عن عبد الأعلى ، أن محمد بن علي كان يكنى أبا القاسم .

                                                                                      وكان ورعا كثير العلم .

                                                                                      [ ص: 116 ] وقال خليفة قال أبو اليقظان : كانت راية علي -رضي الله عنه- لما سار من ذي قار مع ابنه محمد .

                                                                                      ابن سعد حدثنا أبو نعيم ، حدثنا فطر عن منذر الثوري ، قال : كنت عند محمد بن الحنفية فقال : ما أشهد على أحد بالنجاة ، ولا أنه من أهل الجنة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا على أبي ، فنظر إليه القوم ، فقال : من كان في الناس مثل علي سبق له كذا ، سبق له كذا .

                                                                                      أبو شهاب الحناط ، عن ليث ، عن محمد الأزدي ، عن ابن الحنفية ، قال : أهل بيتين من العرب يتخذهما الناس أندادا من دون الله : نحن ، وبنو عمنا هؤلاء ; يريد بني أمية .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا عبثر أبو زبيد ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن منذر أبي يعلى ، عن محمد قال : نحن أهل بيتين من قريش نتخذ من دون الله أندادا ; نحن وبنو أمية .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا إسماعيل بن مسلم الطائي ، عن أبيه قال : كتب عبد الملك : من عبد الملك أمير المؤمنين إلى محمد بن علي ، فلما نظر محمد إلى عنوان الكتاب قال : إنا لله ، الطلقاء ولعناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنابر ! والذي نفسي بيده إنها لأمور لم يقر قرارها .

                                                                                      قلت : كتب إليه يستميله فلما قتل ابن الزبير واتسق الأمر لعبد الملك بايع محمد .

                                                                                      [ ص: 117 ] الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون ، قال ابن الحنفية : وفدت على عبد الملك فقضى حوائجي ، وودعته ، فلما كدت أن أتوارى ناداني : يا أبا القاسم ، يا أبا القاسم ، فرجعت ، فقال : أما إن الله يعلم أنك يوم تصنع بالشيخ ما تصنع ظالم له -يعني ، لما أخذ يوم الدار مروان فدغته بردائه- قال عبد الملك : وأنا أنظر يومئذ ولي ذؤابة .

                                                                                      إبراهيم بن بشار : حدثنا ابن عيينة ، سمع الزهري يقول : قال رجل لابن الحنفية : ما بال أبيك كان يرمي بك في مرام لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ قال : لأنهما كانا خديه وكنت يده ، فكان يتوقى بيديه عن خديه .

                                                                                      أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن ابن كليب ، أنبأنا ابن بيان ، أنبأنا ابن مخلد ، أنبأنا إسماعيل الصفار ، حدثنا ابن عرفة ، حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن بن عمرو ، عن منذر الثوري ، عن ابن الحنفية قال : ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله من أمره فرجا ، أو قال : مخرجا .

                                                                                      وعن ابن الحنفية قال : من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر .

                                                                                      وعنه : أن الله جعل الجنة ثمنا لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية