الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
، وأركانها أربعة : العاقد والأجر والمنفعة والصيغة ، والمراد بها ما يدل على تمليك المنفعة بعوض ويشمل ذلك المعاطاة ، وأشار إلى الأولين بقوله [ ص: 3 ] ( صحة الإجارة بعاقد ) مؤجر ، ومستأجر كالبيع فشرطهما التمييز وشرط اللزوم التكليف فالصبي المميز إذا آجر نفسه أو سلعته صح وتوقف على رضا وليه ، ومثله العبد ، وأما السفيه إن عقد على نفسه فلا كلام لوليه إلا إذا كان في الأجر محاباة فلوليه النظر ، وإن عقد على سلعة فلوليه النظر مطلقا كالبيع فالشرط لزوم أيضا في الجملة ( وأجر كالبيع ) فيكون طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما .

، ولما كانت قاعدة الإمام ابن القاسم أن الثمن في البيع الأصل فيه الحلول ، وأن الأجرة في الإجارة على التأجيل إلا في مسائل فيجب فيها تعجيل الأجرة ذكرها المصنف بقوله ( وعجل ) الأجر وجوبا فلا يؤخر لأكثر من ثلاثة أيام ، وإلا فسد العقد ( إن عين ) أي إن كان معينا كثوب بعينه أي وشرط تعجيله أو كانت العادة تعجيله ، وإلا فسد العقد ، ولو عجل بالفعل كما يأتي في قوله ، وفسدت إلخ ( أو ) كان غير معين ، ووقع التعجيل ( بشرط ) أي بسببه ، وهو عطف على معنى إن عين أي وعجل الأجر بتعيينه أو بشرط ( أو عادة ) بأن كان العرف والعادة التعجيل وسواء كانت المنافع معينة أو مضمونة شرع فيها أم لا فهي صحيحة في هذه الأربع ( أو ) كان غير معين كدراهم أو ثوب موصوف لكن وقع ( في ) منافع ( مضمونة ) في ذمة المؤجر كاستأجرتك على فعل كذا في ذمتك إن شئت عملته بنفسك أو بغيرك أو على أن تحملني على دوابك لبلد كذا فيجب تعجيل الأجر لاستلزام التأخير الدين بالدين وتعمير الذمتين وقيده في الموازية بعدم الشروع فيها ، وإليه أشار بقوله ( لم يشرع فيها ) أي في المنافع المضمونة فإن شرع جاز التأخير بناء على أن قبض الأوائل كقبض الأواخر ثم أخرج من ذلك قوله ( إلا كري حج ) ونحوه في غير إبانه ( فاليسير ) من الأجر كاف في التعجيل فإن وقعت في إبانه فلا بد من تعجيل الجميع أو الشروع ، ولا يخفى شمول كلام المصنف منطوقا ، ومفهوما [ ص: 4 ] لثمان صور في كل من الأجر المعين وغيره ; لأن المعين من الأجر إما أن يقع في مقابلة منافع معينة أو مضمونة ، وفي كل إما أن يحصل منه شروع فيها أم لا ، وفي كل إما أن يشترط التعجيل أو يكون العرف ذلك ، وإما أن لا يكون كذلك .

فهذه ثمان صور : أربع منها فاسدة ، وهي ما إذا انتفى عرف التعجيل ، ولم يشترط كانت المنافع معينة أو مضمونة شرع فيها أم لا ، وأربع صحيحة ، وهي ما إذا كان العرف التعجيل وعجل أو اشترط تعجيله في الأربعة المتقدمة وكل هذا إذا وقع عقد الإجارة على البت فإن وقع على الخيار فسدت في الثمان صور كما يستفاد من الخيار كما تقدم ، وأما إن وقع على أجر غير معين فإن شرط تعجيله أو جرى به عرف وجب التعجيل أيضا في الأربع صور ، وإلا فإن كانت المنافع معينة جاز تعجيله وتأخيره ، وإن كانت مضمونة فإن وقع العقد في الإبان كالحج فالواجب أحد الأمرين إما تعجيل جميع الأجر إن كان يسيرا أو اليسير منه إن كان كثيرا ، وإما الشروع فقوله : ( وإلا ) يكن الأجر معينا ، ولم يشترط تعجيله ، ولم يجر به عرف ، ولم تكن المنافع مضمونة معناه لم يجب تعجيله ، وإذا لم يجب ( فمياومة ) كلما استوفى منفعة يوم أي قطعة من الزمن معينة أو تمكن من استيفائها لزمه أجرته ، وهذا في غير الصانع والأجير ، ومحله أيضا عند المشاحة ، وأما عند التراضي فيجوز تعجيل الجميع وتأخيره فإن اشترط التعجيل أو جرى به عرف عجل كما مر ، وأما الصانع والأجير فليس لهما أجرة إلا بعد التمام ففي المدونة . وإذا أراد الصناع والأجراء تعجيل الأجر قبل الفراغ وامتنع رب الشيء حملوا على المتعارف بين الناس فإن لم يكن لهم سنة لم يقض لهم بشيء إلا بعد الفراغ ، وأما في الأكرية في دار أو راحلة أو في إجارة بيع السلع ونحوه فبقدر ما مضى ، وليس لخياط خاط نصف القميص أخذ نصف أجرته إذا لم يأخذه على ذلك بل حتى يتمه . ا هـ .

والفرق بين الأجير والصانع أن بائع منفعة يده إن كان لا يحوز ما فيه عمله كالبناء والنجار فهو أجير [ ص: 5 ] وإن كان يحوزه فإن كان لم يخرج فيه شيئا من عنده كالخياط والحداد والصائغ فصانع ، وإن كان يخرج فيه شيئا من عنده كالصاع فبائع صانع .

التالي السابق


( قوله : العاقد ) المراد به المؤجر ، وهو دافع المنفعة والمستأجر ، وهو الآخذ لها ( قوله : والأجر ) هو العوض الذي يدفعه المستأجر للمؤجر في مقابلة المنفعة التي يأخذها منه ( قوله : ما يدل على تمليك المنفعة ) أي غير لفظ المساقاة فلا [ ص: 3 ] تنعقد به عند ابن القاسم ; لأن المساقاة رخصة يقتصر فيها على ما ورد وتقدم أن سحنونا يرى انعقاد أحدهما بالآخر ( قوله : صحة الإجارة بعاقد ، وأجر كالبيع ) في كلام المصنف حذف الواو مع ما عطفت أي صحة الإجارة ولزومها بعاقد ، وأجر كالبيع ، وإنما قدرنا ذلك ; لأنه لا يلزم من الصحة اللزوم ( قوله : فشرطهما ) أي فشرط صحة عقدهما وقوله : وشرط اللزوم أي لزوم عقدهما ( قوله : النظر مطلقا ) أي كان في الأجر محاباة أو لا ( قوله : في الجملة ) أي في بعض الأحوال وذلك بالنسبة للعبد فإنه ، وإن كان مكلفا لكن لزوم إجارته لنفسه أو لسلعته يتوقف على رضا سيده لعدم رشده وكذلك السفيه بالنسبة لإجارته لسلعته مطلقا وكذا لنفسه إن حابى في الأجرة ، وإلا كانت إجارته لازمة ، ولا يتوقف لزومها على رضا وليه ففي هذه الحالة الرشد ليس شرطا في اللزوم ( قوله : وعجل الأجر ) أي ، ولو حكما كتأخيره ثلاثة أيام .

وحاصل الفقه أنه إن عين الأجر فإن جرى العرف بالتعجل فلا بد منه في صحتها ، وإن لم يجر عرف أصلا أو جرى بالتأجيل كان العقد فاسدا ، ولو عجل بالفعل ما لم يشترط التعجيل وإلا صحت عجل بالفعل أم لا ، ولا فرق في ذلك كله بين كون المنافع المعقود عليها معينة أو مضمونة ، وإن كان الأجر غير معين وجب تعجيله إن كان شرط بالتعجيل أو عادة كانت المنافع المعقود عليها معينة أو مضمونة فيهما أو لم يكن شرط ، ولا عادة ، ولكن كانت المنافع مضمونة لم يشرع فيها ، وإلا بأن كانت المنافع معينة أو مضمونة وشرع فيها فلا يجب التعجيل للأجر بل يجوز تأخيره ، إذا علمت هذا فلو قال المصنف وعجل معين إن جرى عرف بتعجيله ، وإلا فسد إلا أن يشترط تعجيله وأجبر على تعجيل المضمون إن كان شرط أو عادة أو كانت المنافع مضمونة لم يشرع فيها الوفي بهذا مع الإيضاح واستغنى عن قوله بعد ، وفسدت إن انتفى عرف بتعجيل المعين وعن قوله أو لم يكن العرف نقد معين وإن نقد ، وظهر لك أن قول المصنف أو بشرط أو عادة في غير المعين ، وأنه عطف على معنى إن عين أي وعجل بتعيينه أو بشرط .

( قوله : وإلا فسد ) أي ، وإلا يشترط تعجيله ، ولم تكن العادة تعجيله فسد ( قوله : أي وشرط تعجيله ) الأولى حذفه ويقول أي وكانت العادة تعجيله ، وإلا فسد العقد ، ولو عجل إلا أن يشترط تعجيله ، ولو لم يعجل ( قوله : أي بسببه ) الأولى جعل الباء للملابسة أي أو كان غير معين ووقع التعجيل ملتبسا بشرط أو ملتبسا بعادة .

( قوله : وسواء كانت المنافع معينة ) ك أستأجر دابتك هذه لأسافر عليها لمحل كذا وقوله : أو مضمونة أي ك أستأجر منك دابة أسافر عليها لمحل كذا ( قوله : فهي صحيحة في هذه الأربع ) أي ما إذا كانت المنافع معينة أو مضمونة شرع فيها أم لا والحال أن الأجر فيها غير معين واشترط تعجيله أو اعتيد ( قوله : أو في منافع مضمونة ) أي والحال أنه لم يجر عرف بتعجيله ، ولا اشتراط ( قوله : في ذمتك ) ليس هذا التصريح لازما بل إن حصل العقد على الإطلاق فالمنافع مضمونة في الذمة سواء صرح بذلك أم لا ( قوله : الدين بالدين ) أي ابتداء الدين بالدين لشغل ذمة المكري بالدابة مثلا والمكتري بالدراهم .

( قوله : وتعمير الذمتين ) عطف علة على معلول ( قوله : جاز التأخير ) أي تأخير الأجرة وعدم تعجيلها ( قوله : كقبض الأواخر ) أي كأنه قبض للأواخر ، وهذا قول أشهب ، وابن القاسم يرى أن قبض الأوائل ليس قبضا للأواخر وحينئذ فيجب تعجيل النقد في المنافع المضمونة شرع فيها أم لا ( قوله : فاليسير ) أي [ ص: 4 ] كالدينار والدينارين كاف في التعجيل أي خوف أخذ الأكرياء أموال الناس والهروب بها ، ومحل كفاية تعجيل اليسير إذا كانت الأجرة كثيرة وإلا فلا بد من تعجيلها كلها ( قوله : لثمان صور ) هي في الحقيقة أربع وعشرون صورة : اثنتا عشرة في الأجر المعين واثنتا عشرة في الأجر غير المعين ، وإن اعتبرت في كل أن البيع إما بتا أو على الخيار كانت جملة الصور ثمانيا ، وأربعين صورة .

( قوله : إما أن يشترط التعجيل ) أي تعجيل الأجر ( قوله : وإما أن لا يكون كذلك ) أي ، وإما أن لا يكون العرف تعجيل الأجر المعين بأن لا يكون عرف في ذلك أصلا أو كان العرف تأجيله ( قوله : فهذا ثمان صور ) فيه أن هذه اثنتا عشرة من ضرب ثلاثة في أربعة ( قوله : إذا انتفى عرف التعجيل ) أي بأن كان العرف تأخير الدفع أو لم يكن عرف ( قوله : وأربع صحيحة ) فيه أنها ثمانية ( قوله : أو اشترط تعجيله ) أي ، وإن لم يعجل ( قوله : في الأربعة المتقدمة ) أي ، وهي ما إذا كانت المنافع معينة أو مضمونة حصل شروع فيها أم لا ( قوله : في الثمان صور ) الأولى في الاثنتي عشرة صورة ( قوله : وأما إن وقع على أجر غير معين إلخ ) حاصله أن صوره أيضا اثنا عشر ; لأن ذلك الأجر الغير المعين إما أن يقع في مقابلة منافع معينة أو مضمونة ، وفي كل إما أن يحصل منه شروع فيها أو لا ، وفي كل إما أن يشترط تعجيل جميع الأجرة الغير المعينة أو يكون العرف تعجيلها أو لا يكون العرف تعجيلها والحال أنه لم يشترط التعجيل ، فهذه اثنا عشر حاصلة من ضرب ثلاثة في أربعة أشار الشارح لحكمها بقوله فإن شرط إلخ ( قوله : في الأربع صور ) أي كانت المنافع معينة أو مضمونة حصل الشروع فيها أو لا ، فهذه ثمان صور حاصلة من ضرب اثنين في أربعة ( قوله : جاز تعجيله ) أي الأجر وتأخيره ، وهو ما أفاده بقوله ، وإلا فمياومة ( قوله : فإن وقع العقد في الإبان إلخ ) صوابه في غير الإبان وحاصل الفقه أنه إن كانت المنافع مضمونة فإن وقع العقد في غير الإبان فالواجب تعجيله جميع الأجرة إن كانت يسيرة أو اليسير منها إن كانت كثيرة ، وهو ما أشار له المصنف بقوله إلا كراء حج فاليسير ، وإن وقع العقد في الإبان فلا بد من أحد أمرين إما تعجيل جميع الأجرة أو الشروع في تحصيل المنفعة وإلا فسدت ، وهو ما أشار له المصنف بقوله ، ومضمونة لم يشرع .

( قوله : ولم تكن المنافع مضمونة ) أي لم يشرع فيها بأن كانت معينة أو مضمونة شرع فيها ( قوله : وهذا في غير الصانع والأجير ) أي بل في كراء العقار والرواحل والآدمي للخدمة والأواني ( قوله : فيجوز تعجيل الجميع إلخ ) محل جواز التقديم والتأخير في المنافع المعينة عند التراضي كما قال ح أن يشرع في العمل أو يتأخر الشروع نحو العشرة الأيام فإن طال ذلك لم يجز تقديم الأجرة ثم نقل كلام ابن رشد والمدونة ، وأبي الحسن عليها المفيد لذلك فانظره . ا هـ بن .

( قوله : فإن لم يكن لهم سنة لم يقض لهم بشيء إلخ ) ما ذكره من أن الصناع والأجراء لم يقض لهم إلا بعد الفراغ محله إن بقي على التمام للزوم العقد فإن تقايلا قبل تمامه كان له بحساب ما عمل ( قوله : أو في إجارة بيع السلع ) أي الإجارة على بيعها كما لو استأجره على السمسرة عليها ثلاثة أيام مثلا بدينار ( قوله : فبقدر ما مضى ) أي فيستحق من الأجرة بقدر ما مضى من الزمان ، وهذا هو معنى قول المصنف ، وإلا فمياومة ( قوله : والفرق بين الأجير ) أي الفرق بين حقيقتهما .




الخدمات العلمية