الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5059 (11) باب

                                                                                              في غرف الجنة وتربتها وأسواقها

                                                                                              [ 2749 ] عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق ، من المشرق أو المغرب ; لتفاضل ما بينهم . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين .

                                                                                              رواه أحمد (5 \ 340) ، والبخاري (6555) ، ومسلم (2830) ، وهو عند ابن حبان (209) كما في التلخيص . ورواه مسلم بطوله من حديث أبي سعيد الخدري (2831) (11) .

                                                                                              [ ص: 175 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 175 ] (11 و 12 و 13 و 14) ومن باب : غرف الجنة

                                                                                              قوله : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري ") يعني : أن أهل السفل من الجنة ينظرون إلى من فوقهم على تفاوت منازلهم ، كما ينظر من على الأرض دراري السماء ، على تفاوت منازلها . فيقال : هذا منزل فلان ، كما يقال : هذا المشتري مثلا ، أو الزهرة ، أو المريخ ، وقد بين ذلك بقوله : " لتفاوت ما بينهما " وسمي الكوكب دريا لبياضه وصفائه ، وقيل : لأنه شبه بالدر في صفائه .

                                                                                              و (قوله : " الغابر من الأفق ، من المشرق أو المغرب ") الرواية المشهورة : الغابر ، بواحدة ، ومعناه الذاهب والباقي ، على اختلاف المفسرين ، وغبر من الأضداد . يقال : غبر : إذا ذهب ، وغبر : إذا بقي ، ويعني به : أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه بعيد عن الأبصار ، فيظهر صغيرا لبعده ، وقد بينه بقوله : في الأفق من المشرق أو المغرب ، والأفق : ناحية السماء ، وهو بضم الهمزة والفاء وبسكونها ، [ ص: 176 ] كما يقال : عشر وعشر ، وجمعه : آفاق ، وقد قيدنا تلك اللفظة على من يوثق به : الغائر - بالهمز - اسم فاعل من غار . وقد روي في غير مسلم : الغارب ، بتقديم الراء ، ويروى : العازب بالعين المهملة والزاي ; أي : البعيد ، ومعانيها كلها متقاربة . ومن الأفق : رويناه بـ (من) التي لابتداء الغاية ، وهي الظرفية ، وأما من المشرق ، فلم يرو في كتاب مسلم إلا بـ (من) . وقد رواه البخاري في المشرق بـ (في) وهي أوضح ، فأما من رواهما بـ (من) في الموضعين فأوجه ما فيهما أن تكون الأولى لابتداء الغاية ، والثانية بدل منها مبينة لها . وقيل : إنها في قوله : من المشرق ; لانتهاء الغاية ، وهو خروج عن أصلها ، وليس معروفا عند أكثر النحويين .

                                                                                              و (قولهم : تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ") كذا وقع هنا هذا الحرف . بلى ; التي أصلها حرف جواب وتصديق ، وليس هذا موضعها ; لأنهم لم يستفهموا ، وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء لا لغيرهم . فجواب هذا يقتضي : أن تكون (بلى) التي للإضراب عن الأول وإيجاب المعنى للثاني ، فكأنه تسومح فيها ، فوضعت بلى موضع بل . و : رجال ، مرفوع بالابتداء المحذوف ، تقديره : هم رجال . وفيه أيضا توسع ; أي : تلك المنازل منازل رجال آمنوا بالله ، أي : حق إيمانه ، وصدقوا المرسلين ، أي : حق تصديقهم ، وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله ، وصدق رسله ، ومع ذلك فهم متفاوتون في الدرجات والمنازل ، وهذا واضح .




                                                                                              الخدمات العلمية