الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              139- الرميصاء أم سليم

              ومنهن الرميصاء أم سليم المستسلمة لحكم المحبوب ، الطاعنة بالخناجر في الوقائع والحروب .

              وقد قيل : إن التصوف مفارقة الدعة والاختيار ، ومعانقة الدعة حين البلوى والاختبار .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يونس ، ثنا أبو داود ، وحدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا عمر بن حفص ، ثنا عاصم بن علي ، قال : ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا برميصاء امرأة أبي طلحة " .

              حدثنا فاروق الخطابي ، ثنا عبد الله بن محمد بن أبي قريش ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثني حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : مرض ابن لأبي طلحة من أم سليم ، قال : فمات الصبي في المخدع فسحبته ثم قامت فهيأت لأبي طلحة إفطاره كما كانت تهيئ له كل ليلة ، فدخل أبو طلحة ، وقال لها : كيف الصبي ؟ قالت : بأحسن حال ، فحمد الله ثم قامت فقربت إلى أبي طلحة إفطاره ، ثم قامت إلى ما تقوم إليه النساء فأصاب أبو طلحة من أهله ، فلما كان السحر ، قالت : يا أبا طلحة ألم [ ص: 58 ] تر آل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها فلما طلبت منهم شق عليهم ، قال : ما أنصفوا ، قالت : فإن ابنك كان عارية من الله عز وجل وإن الله تعالى قد قبضه ، فحمد الله واسترجع ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا طلحة بارك الله لكما في ليلتكما ، فحملت بعبد الله بن أبي طلحة " .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا عمر بن حفص ، ثنا عاصم بن علي ، ثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : كان لأبي طلحة ابن من أم سليم فمات ، فقالت لأهلها : لا تخبروا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، قال : فجاء فقربت إليه عشاءه وشرابه فأكل وشرب ، قال : ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع له قبل ذلك ، فلما شبع وروي وقع بها فلما عرفت أنه قد شبع وروي وقضى حاجته منها ، قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن أهل بيت أعاروا عاريتهم أهل بيت آخرين فطلبوا عاريتهم ألهم أن يحبسوا عاريتهم ؟ قال : لا ، قالت : فاحتسب ابنك ، قال : فغضب ثم قال : تركتيني حتى تلطخت بما تلطخت به ثم تحدثيني بموت ابني ، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ألم تر إلى أم سليم صنعت كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لكما في غابر ليلتكما " ، قال : فتلقيت تلك الليلة فحملت بعبد الله بن أبي طلحة .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا محمد بن موسى المخزومي الفطري ، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : ولدت أم سليم غلاما فاشتكى فاشتد شكواه ثم توفي وأبو طلحة عند النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف من عنده حين صلى المغرب وقد لفته أم سليم فجعلته في ناحية من بيتها ، فهوى إليه أبو طلحة فقالت : عزمت عليك بحقي أن لا تقربه فإنه لم يكن منذ اشتكى خيرا منه الليلة ، فقربت إليه فطره وأفطر ثم أخذت طيبا فأصابته ، ثم دنت إلى أبي طلحة فأصابها ، فقالت : يا أبا طلحة أرأيت جيرانا أعاروا جيرانا لهم عارية حتى ظنوا أن قد تركوها لهم ، فلما طلبوها منهم وجدوا في أنفسهم ؟ قال : بئس ما صنعوا ، قالت : فإن الله تعالى أعارك فلانا ثم قبضه منك وهو أحق به ، فغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 59 ] حين أصبح فأخبره الخبر ، فقال : " اللهم بارك لهما في ليلتهما " ، فحملت بعبد الله بن أبي طلحة .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن سعيد الرازي ، ثنا محمد بن مسلم بن وارة ، ثنا محمد بن سعيد بن سابق ، ثنا عمرو بن أبي قيس ، عن سعيد بن مسروق ، عن عباية بن رفاعة ، عن أم سليم ، قالت : توفي ابن لي وزوجي غائب ، فقمت فسجيته في ناحية من البيت ، فقدم زوجي فقمت فتطيبت له فوقع علي ثم أتيته بطعام فجعل يأكل ، فقلت : ألا أعجبك من جيراننا ؟ قال : وما لهم ، قلت : أعيروا عارية ، فلما طلبت منهم جزعوا ، فقال : بئس ما صنعوا ، فقلت : هذا ابنك ، فقال : لا جرم لا تغلبيني عن الصبر الليلة ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " اللهم بارك لهم في ليلتهم " ، فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرءوا القرآن .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية