الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في حكم لبس المعصفر وما اشتدت حمرته .


وأحمر قان والمعصفر فاكرهن للبس رجال حسب في نص أحمد

( وأحمر قان ) فاكرهن لبسه للرجال . نص الإمام أحمد رضي الله عنه على كراهة لبس الأحمر المصمت .

قال في المغني : قال أصحابنا : يكره ، وهو مذهب ابن عمر رضي الله عنهما روى أنه اشترى ثوبا فرأى فيه خيطا أحمر فرده . وقول الناظم : قان ، أي شديد الحمرة يقال قنأ كمنع قنوءا اشتدت حمرته كما في القاموس ، وقال في باب المقصور : وأحمر قانئ صوابه بالهمز ووهم الجوهري انتهى .

قال في الآداب : ويكره للرجال لبس أحمر مصمت ، نص عليه . وقال موفق الدين : لا يكره . وعنه يكره شديد الحمرة دون خفيفها . ، والمعتمد من المذهب كراهة ذلك ، ولو بطانة .

قال في الآداب : وأول من لبس الثياب الحمر آل قارون أو آل فرعون ، ثم قرأ { فخرج على قومه في زينته } قال في ثياب حمر نقل ذلك عن الإمام رضي الله عنه . وقيل له رضي الله عنه : الثوب الأحمر تغطى به الجنازة ، فكرهه ، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال { مر على النبي [ ص: 175 ] صلى الله عليه وسلم رجل عليه بردان أحمران فسلم عليه فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه } رواه أبو داود والترمذي وحسنه ، والبزار .

وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن { الحمرة زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة } ووصله أبو علي بن السكن وأبو أحمد بن عدي كما في الفتح . ومن طريقه البيهقي في الشعب من رواية أبي بكر الهذلي . وهو ضعيف عن الحسن عن رافع بن يزيد الثقفي رفعه { أن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة } وأخرجه ابن منده . وقول الجورقاني : " إنه باطل " باطل ، بل الحديث ضعيف كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري .

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رواحلنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفر بعض إبلنا وأخذنا الأكسية فنزعناها عنها } رواه أبو داود .

وقال ابن عبد البر : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من الألوان الخضرة ، ويكره الحمرة ويقول : هي زينة الشيطان } انتهى . وقولهم : الأحمر المصمت أي الذي لا يخالطه لون غير الاحمرار . قال في القاموس : وثوب مصمت لا يخالط لونه لون . فإن قلت : أليس موفق الدين ، وهو الإمام في النقل والتمكين قال : ثم دع عنك ما قاله زيد وعمرو ، واسمع لما جاء من سيد البشر . ففي الصحيحين من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء ، ، ثم ركزت له عنزة فتقدم وصلى الظهر } . وفيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال " ما رأيت من ذي لمة وحلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم " والترمذي [ ص: 176 ] وحسنه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال { : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء } وأبو داود عن هلال بن عامر رضي الله عنه قال { : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة وعليه برد أحمر } أولى بالاتباع ، والاقتداء به فيه النجاة والانتفاع . وحديث رافع في إسناده رجل مجهول ويحتمل أن تلك كانت معصفرة فكرهها لذلك ، وإن قدر التعارض فأحاديث الإباحة أصح وأثبت ، والأخذ بها أولى وأرجح .

قلت : ما قلته غير بعيد الصواب ، ولكن قد قال الإمام المحقق في الهدي النبوي : غلط من ظن أن الحلة كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيرها ، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط وإلا فالأحمر البحت نهي عنه أشد النهي انتهى . فهذا يبين لك بأن المراد بالحلة الحمراء ما كان فيها خطوط حمر ونحن اعتبرنا كونه أحمر مصمتا حتى يكون مكروها ، فإن لم يكن كذلك فلا كراهة حينئذ والله أعلم .

( و ) الثوب ( المعصفر ) ، وهو المصبوغ بالعصفر ، وهو كما في القاموس نبت يهري اللحم الغليظ وبذره القرطم ، قال : وعصفر ثوبه صبغه به فتعصفر ، انتهى . ( فاكرهن ) فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ( للبس رجال حسب ) أي فقط دون النساء فلا يكره لهن لبس المعصفر ( في نص ) الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه فيكره للرجال لبس المعصفر في الأصح ، قال في الإقناع : إلا في إحرام فلا يكره انتهى .

ودليل الكراهة ما روى الإمام علي رضوان الله عليه قال { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر } رواه مسلم .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها } رواه مسلم أيضا . وروى أبو داود عن عمران بن حصين أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال { لا أركب الأرجوان ، ولا ألبس المعصفر } . [ ص: 177 ]

قال في الفروع : وكره الإمام أحمد المعصفر للرجال كراهة شديدة . قاله إسماعيل بن سعيد ، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال أمك أمرتك بهذا ؟ قلت : أغسلهما قال : بل أحرقهما } . وعند الإمام الموفق لا يكره المعصفر وفاقا للثلاثة . واستظهره في الفروع ، ثم قال : والمذهب يكره .

وقال النووي من أئمة الشافعية : اختلف العلماء في الثياب المعصفرة ، وهي المصبوغة بعصفر ، فأباحها جميع العلماء من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك ولكنه قال : غيرها أفضل منها . وجاءت رواية عنه أنه أجاز لباسها في البيوت وأفنية الدور وكرهه في المحافل ، والأسواق ، وقال جماعة : هو مكروه كراهة تنزيه ، وحملوا النهي على هذا ولما ذكر البيهقي حديث ابن عمر الذي ذكرناه . قال : فلو بلغ الشافعي لقال به اتباعا للسنة كعادته انتهى .

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : وقد كره المعصفر جماعة من السلف ورخص فيه جماعة . وممن قال بكراهته من أصحابنا الحليمي . واتباع السنة هو الأولى ، وقال : قال النووي في شرح مسلم : أتقن البيهقي المسألة انتهى . والله أعلم .

ولا تكرهن في نصه ما صبغته     من الزعفران البحت لون المورد

( ولا ) ناهية ( تكرهن ) فعل مضارع مجزوم بلا مؤكد بالنون الخفيفة ( في نصه ) أي الإمام أحمد رضي الله عنه ( ما ) أي الثوب الذي ( صبغته ) أي أنت أو غيرك ، فالمراد عدم كراهة الثوب المصبوغ ( من ) أي ب ( الزعفران ) هو نبت معروف قال في القاموس : وإذا كان في بيت لا يدخله سام أبرص ، وزعفره : صبغه بالزعفران . ( البحت ) أي المحض الذي ليس معه غيره ( لون المورد ) ومن أسماء الزعفران الورد ، ، والورد من الخيل ما بين الكميت ، والأشقر . فاللون المورد ما كان بين الحمرة [ ص: 178 ] والصفرة هذا مراد الناظم هنا ، وقد جزم بعدم كراهة لبس المزعفر للرجال على نص الإمام أحمد رضي الله عنه . وذلك لما روى الإمام عن ابن عمر رضي الله عنهما { أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران ، فقيل له لم تصبغ ثيابك وتدهن بالزعفران ؟ فقال : لأني رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدهن به ويصبغ به ثيابه } ورواه أبو داود والنسائي وفي لفظهما { ولقد كان يصبغ ثيابه به كلها حتى عمامته } .

وفي الآداب الكبرى : يباح المسك ، والمورد ويكره له المعصفر . زاد في الرعاية : في الأصح ، وكذا المزعفر على الأظهر . وفيه وجه يكره في الصلاة فقط ، وهو ظاهر ما في التلخيص ، والنص أنه لا يكره . وقطع في الشرح يعني شرح المقنع للإمام شمس الدين بن أبي عمر رحمهما الله تعالى بالكراهة .

وقال في الفروع : ويكره للرجل لبس المزعفر ، والمعصفر ، والأحمر المصمت ، وقيل لا ، ونقله الأكثر في المزعفر ، وهو مذهب ابن عمر وغيره وفاقا للإمام مالك . وذكر الآجري والقاضي وغيرهما تحريم التزعفر له ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي .

واعلم أن الذي استقر عليه المذهب الآن كراهية لبس المزعفر ، جزم به في الإقناع ، والمنتهى ، والغاية وغيرها .

( تنبيهان ) : نفس التزعفر للرجال مكروه وجها واحدا ، ; لأنه عليه الصلاة والسلام { نهى الرجال عن التزعفر } . متفق عليه . قال في الفروع : حمل الخلال النهي عن التزعفر على بدنه في صلاته ، وحمله صاحب المحرر على التطيب به والتخلق به ; لأن خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه . انتهى .

وقد علمت أن المذهب كراهية لبس المزعفر كالتزعفر والله أعلم .

( الثاني ) : لا بأس بلبس المزعفر ، والمعصفر ، والأحمر المصمت للنساء ; لأن ذلك من الزينة ، وهي منها مطلوبة . وهذا مفهوم من كلام الناظم رحمه الله تعالى والله الموفق . .

التالي السابق


الخدمات العلمية