الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة

                                                                                                          252 حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد قال أبو عيسى حديث هلب حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم واسم هلب يزيد بن قنافة الطائي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن قبيصة بن هلب ) بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة الطائي الكوفي مقبول [ ص: 73 ] من الثالثة . قاله الحافظ في التقريب . وفي الخلاصة وثقه العجلي ( عن أبيه ) هلب الطائي صحابي نزل الكوفة ، وقيل اسمه يزيد وهلب لقب ( فيأخذ شماله بيمينه ) أي ويضعهما على صدره ففي رواية أحمد ورأيته يضع هذه على صدره ، وصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل وستأتي هذه الرواية بتمامها .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سهل كذا وقع في النسخة الأحمدية سهل بن سهل ) ووقع في غيرها من النسخ سهل بن سعد وهو الصحيح والأول غلط . أما حديث وائل بن حجر فأخرجه مسلم في صحيحه عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم كبر ثم التحف ثم وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع الحديث ورواه ابن خزيمة بلفظ : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره وأما حديث غطيف وهو بضم الغين مصغرا ، فأخرجه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار بلفظ : " قال مهما رأيت شيئا نسيته فإني لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة " كذا في أعلام الموقعين . وأما حديث ابن عباس ، وابن مسعود فلينظر من أخرجه . وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري في صحيحه بلفظ : قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .

                                                                                                          قوله : ( حديث هلب حديث حسن ) وأخرجه ابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ) وقال المالكية بإرسال اليدين في الصلاة . قال الحافظ ابن القيم في الأعلام بعد ذكر أحاديث وضع اليدين في الصلاة ما لفظه : فهذه الآثار قد ردت برواية القاسم عن مالك ، قال : تركه أحب إلي ، ولا أعلم شيئا قد ردت به سواه ، انتهى . والعجب من المالكية أنهم كيف آثروا رواية القاسم عن مالك مع أنه ليس في إرسال اليدين حديث [ ص: 74 ] صحيح وتركوا أحاديث وضع اليدين في الصلاة ، وقد أخرج مالك حديث سهل بن سعد المذكور وقد عقد له بابا بلفظ : وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ، فذكر أولا أثر عبد الكريم بن أبي المخارق ، أنه قال : من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ، يضع اليمنى على اليسرى ، وتعجيل الفطر ، والاستئناس بالسحور . ثم ذكر حديث سهل بن سعد المذكور ( ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضع تحت السرة ) قد أجمل الترمذي الكلام في هذا المقام ، فلنا أن نفصله .

                                                                                                          فاعلم أن مذهب الإمام أبي حنيفة : أن الرجل يضع اليدين في الصلاة تحت السرة ، والمرأة تضعهما على الصدر ، ولم يرو عنه ولا عن أصحابه شيء خلاف ذلك ، وأما الإمام مالك فعنه ثلاث روايات : إحداها وهي المشهورة عنه أنه يرسل يديه ، كما نقله صاحب الهداية والسرخسي في محيطه وغيرهما عن مالك . وقد ذكر العلامة أبو محمد عبد الله الشاسي المالكي في كتابه المسمى بعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، والزرقاني في شرح الموطأ أن إرسال اليد رواية ابن القاسم ، عن مالك ، وزاد الزرقاني أن هذا هو الذي صار إليه أكثر أصحابه . الثانية : أن يضع يديه تحت الصدر فوق السرة كذا ذكره العيني في شرح الهداية عن مالك ، وفي عقد الجواهر أن هذه رواية مطرف والماجشون عن مالك . الثالثة أنه تخير بين الوضع والإرسال وذكر في عقد الجواهر وشرح الموطأ أنه قول أصحاب مالك المدنيين .

                                                                                                          وأما الإمام الشافعي فعنه أيضا ثلاث روايات : إحداها أنه يضعهما تحت الصدر فوق السرة ، وهي التي ذكرها الشافعي في الأم ، وهي المختارة المشهورة عند أصحابه المذكورة في أكثر متونهم وشروحهم . الثانية وضعهما على الصدر وهي الرواية التي نقلها صاحب الهداية عن الشافعي ، وقال العيني : إنها المذكورة في الحاوي من كتبهم . الثالثة وضعهما تحت السرة . وقد ذكر هذه الرواية في شرح المنهاج بلفظ : قيل وقال في المواهب اللدنية إنها رواية عن بعض أصحاب الشافعي .

                                                                                                          وأما الإمام أحمد رحمه الله فعنه أيضا ثلاث روايات : إحداها : وضعهما تحت السرة ، والثانية : وضعهما تحت الصدر ، والثالثة : التخيير بينهما ، وأشهر الروايات عنه الرواية الأولى ، وعليه جماهير الحنابلة ، هذا كله مأخوذ من فوز الكرام للشيخ محمد قائم السندي ، ودراهم الصرة لمحمد هاشم السندي .

                                                                                                          [ ص: 75 ] وكل ذلك واسع عندهم ظاهره أن الاختلاف بينهم في الوضع فوق السرة وتحت السرة إنما هو في الاختيار والأفضلية .

                                                                                                          واعلم أن الأحاديث والآثار قد وردت مختلفة في هذا الباب ، ولأجل ذلك وقع الاختلاف بين الأئمة رحمهم الله تعالى ، وها أنا أذكر متمسكاتهم في ثلاثة فصول مع بيان ما لها وما عليها .

                                                                                                          الفصل الأول : في بيان من ذهب إلى وضع اليدين تحت السرة ، وقد تمسك هؤلاء على مذهبهم هذا بأحاديث :

                                                                                                          الأول : حديث وائل بن حجر رضي الله عنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه ، قال حدثنا وكيع عن موسى بن عمير عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله تحت السرة . قال الحافظ القاسم بن قطلوبغا في تخريج أحاديث الاختيار شرح المختار : هذا سند جيد . وقال الشيخ أبو الطيب المدني في شرح الترمذي : هذا حديث قوي من حيث السند . وقال الشيخ عابد السندي في طوالع الأنوار : رجاله ثقات .

                                                                                                          قلت : إسناد هذا الحديث وإن كان جيدا لكن في ثبوت لفظ " تحت السرة " في هذا الحديث نظر قوي . قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته فتح الغفور : في زيادة تحت السرة نظر بل هي غلط منشؤه السهو فإني راجعت نسخة صحيحة من المصنف فرأيت فيها هذا الحديث بهذا السند وبهذه الألفاظ إلا إنه ليس فيها " تحت السرة " وذكر فيها بعد هذا الحديث أثر النخعي ولفظه قريب من لفظ هذا الحديث أو في آخره : في الصلاة تحت السرة ، فلعل بصر الكاتب زاغ من محل إلى محل آخر ، فأدرج لفظ الموقوف في المرفوع ، انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي .

                                                                                                          وقال صاحب الرسالة المسماة بالدرة في إظهار غش نقد الصرة : وأما ما استدل به من حديث وائل الذي رواه ابن أبي شيبة ، فهذا حديث فيه كلام كثير . قال : وروى هذا الحديث ابن أبي شيبة وروى بعده أثر النخعي ولفظهما قريب . وفي آخر الأثر لفظ " تحت السرة " واختلف نسخه ففي بعضها ذكر الحديث من غير تعيين محل الوضع مع وجود الأثر المذكور ، وفي البعض وقع الحديث المرفوع بزيادة لفظ تحت السرة بدون أثر النخعي فيحتمل أن هذه الزيادة منشؤها ترك الكاتب سهوا نحو سطر في الوسط وإدراج لفظ الأثر في المرفوع ، كما يحتمل سقوط لفظ " تحت السرة " في النسخة المتقدمة ، لكن اختلاف النسختين على هذا الوجه يؤذن بإدخال لفظ الأثر في المرفوع ، انتهى كلام صاحب الدرة .

                                                                                                          [ ص: 76 ] وقال الشيخ محمد فاخر المحدث الإله آبادي في منظومته المسماة بنور السنة :


                                                                                                          وأنكه از جمع حلقة أعلام ابن قطلو بغاست قاسم نام از كتاب مصنف آرد نقل
                                                                                                          نكند هيج بأور آنرا عقل دركتا بيكه من دران ديدم
                                                                                                          غير مقصود أو عيان ديدم

                                                                                                          حاصله أن ما نقله القاسم ابن قطلوبغا عن المصنف لا اعتماد عليه ولا عبرة به ، فإن الكتاب الذي رأيته أنا وجدت فيه خلاف مقصوده .

                                                                                                          قلت : ما قاله هؤلاء الأعلام يؤيده أن هذا الحديث رواه أحمد في مسنده بعين سند ابن أبي شيبة ، وليست فيه هذه الزيادة ففي مسند أحمد : حدثنا وكيع حدثنا موسى بن عمير العنبري عن علقمة بن وائل الحضرمي ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة ، انتهى . ورواه الدارقطني أيضا بعين سند ابن أبي شيبة وليس فيه أيضا هذه الزيادة قال في سننه : حدثنا الحسين بن إسماعيل ، وعثمان بن جعفر بن محمد الأحول قالا : نا يوسف بن موسى نا وكيع نا موسى بن عمير العنبري ، عن علقمة بن وائل الحضرمي ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة ، انتهى .

                                                                                                          ويؤيده أيضا أن ابن التركماني شيخ الحافظ الزيلعي ذكر في الجوهر النقي لتأييد مذهبه حديثين ضعيفين حيث قال : قال ابن حزم : وروينا عن أبي هريرة قال : وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة ، وعن أنس قال : ثلاث من أخلاق النبوة : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة تحت السرة ، انتهى . ونقل قبل هذين الحديثين أثر أبي مجلز عن مصنف ابن أبي شيبة حيث قال : قال ابن أبي شيبة في مصنفه : ثنا يزيد بن هارون أنا الحجاج بن حسان ، سمعت أبا مجلز ، أو سألته قلت : كيف أضع ؟ قال : يضع باطن كف يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلهما أسفل من السرة ، انتهى . ولم ينقل ابن التركماني عن مصنف ابن أبي شيبة غير هذا الأثر ، فالظاهر أنه لم يكن في حديث وائل الذي أخرجه ابن أبي شيبة زيادة تحت السرة ، فإنه لو كان هذا الحديث فيه مع هذه الزيادة لنقله ابن التركماني ، إذ بعيد كل البعد أن يذكر ابن التركماني لتأييد مذهبه حديثين ضعيفين ، وينقل عن مصنف ابن أبي شيبة أثر أبي مجلز التابعي ، ولا ينقل عنه حديث وائل المرفوع مع وجوده فيه بهذه الزيادة ومع صحة إسناده .

                                                                                                          ويؤيده أيضا ما قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته فتح الغفور من أن غير واحد من أهل الحديث ، روى هذا الحديث ولم يذكر تحت السرة ، بل ما رأيت ولا سمعت أحدا من أهل [ ص: 77 ] العلم ، ذكر هذا الحديث بهذه الزيادة إلا القاسم . هذا ابن عبد البر حافظ دهره قال في التمهيد : وقال الثوري وأبو حنيفة : أسفل السرة . وروى ذلك عن علي وإبراهيم النخعي ولا يثبت ذلك عنهم ، فلو كان هذا الحديث الصحيح بهذه اللفظة في مصنف ابن أبي شيبة لذكره مع أنه قد أكثر في هذا الباب وغيره الرواية عن ابن أبي شيبة .

                                                                                                          وهذا ابن حجر حافظ عصره يقول في فتحه : وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره ، وللبزار عند صدره ، وعند أحمد في حديث هلب نحوه . ويقول في تخريج الهداية : وإسناد أثر علي ضعيف ، ويعارضه حديث وائل بن حجر ، قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره : وأشار إلى ذلك في تخريج أحاديث الرافعي ، فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها ، وكتبه مملوءة من أحاديثه وآثاره . وقد اختصره كما قال السيوطي في شرح ألفيته ، والظاهر أن الزيلعي الذي شمر ذيله بجمع أدلة المذهب لم يظفر بها وإلا لذكرها وهو من أوسع الناس اطلاعا .

                                                                                                          وهذا السيوطي الذي هو حافظ وقته يقول في وظائف اليوم والليلة : وكان يضع يده اليمنى على اليسرى ثم يشدهما على صدره ، وقد ذكر في جامعه الكبير في مسند وائل نحو تسعة أحاديث عن المصنف ، ولفظ بعضها : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة وهذا اللفظ هو الذي ذكره صاحب نقد الصرة إلا أنه زاد لفظ " تحت السرة " فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها السيوطي .

                                                                                                          وهذا العيني الذي يجمع بين الغث والسمين في تصانيفه يقول في شرحه على البخاري : احتج الشافعي بحديث وائل بن حجر ، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ، قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره . ويستدل علماؤنا الحنفية بدلائل غير وثيقة ، فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها ، وقد ملأ تصانيفه بالنقل عنه .

                                                                                                          وهذا ابن أمير الحاج الذي بلغ شيخه ابن الهمام في التحقيق وسعة الاطلاع يقول في شرح المنية : إن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال ، ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلا حديث وائل المذكور ، وهكذا قال صاحب البحر الرائق ، فلو كان الحديث في المصنف بهذه الزيادة ، لذكره ابن أمير الحاج مع أن شرحه محشو من النقل عنه ، فهذه أمور قادحة في صحة هذه الزيادة في هذا الحديث ، انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي .

                                                                                                          قلت : فحديث وائل بن حجر المذكور وإن كان إسناده جيدا لكن في ثبوت زيادة " تحت [ ص: 78 ] السرة " فيه نظرا قويا كما عرفت ، فكيف يصح الاستدلال بهذا الحديث على وضع اليدين تحت السرة . . ؟

                                                                                                          والحديث الثاني : حديث علي رضي الله عنه . روى أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن أبي جحيفة أن عليا قال : السنة وضع الكف على الكف تحت السرة .

                                                                                                          قلت : في إسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ، وعليه مدار هذا الحديث ، وهو ضعيف لا يصلح للاحتجاج قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث : قال ابن القطان : عبد الرحمن بن إسحاق هو ابن الحرب أبو شيبة الواسطي ، قال فيه ابن حنبل وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال ابن معين : ليس بشيء . وقال البخاري : فيه نظر . وقال البيهقي في المعرفة : لا يثبت إسناده . تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو متروك . وقال النووي في الخلاصة وشرح مسلم : هو حديث متفق على تضعيفه ، فإن عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف بالاتفاق ، انتهى ما في نصب الراية . وقال الشيخ ابن الهمام في التحرير إذا قال البخاري للرجل فيه نظر ، فحديثه لا يحتج به ولا يستشهد به ، ولا يصلح للاعتبار ، انتهى .

                                                                                                          فإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث علي هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار . ثم حديث علي هذا يخالف لتفسيره قوله تعالى وانحر أنه وضع يده على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة . رواه البيهقي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه . كذا في الدر المنثور . قال الفاضل ملا الهداد في حاشية الهداية : إذا كان حديث وضع اليدين تحت السرة ضعيفا ومعارضا بأثر علي بأنه فسر قوله تعالى وانحر بوضع اليمين على الشمال على الصدر يجب أن يعمل بحديث وائل الذي ذكره النووي . ثم حديث علي هذا منسوخ على طريق الحنفية ، قال صاحب الدرة في إظهار غش نقد الصرة وهو حنفي المذهب : روى أبو داود عن جرير الضبي أنه قال : رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة ، وأصل علمائنا إذا خالف الصحابي في مرويه فهو يدل على نسخه ، وهذا الفعل وإن لم يكن أقوى من القول فلا أقل من أن يكون مثله ، انتهى .

                                                                                                          قلت : إسناد أثر علي هذا أعني الذي رواه أبو داود عن جرير الضبي صحيح كما ستعرف . والحديث الثالث حديث أبي هريرة رواه أبو داود في سننه عن أبي وائل ، قال : قال أبو هريرة : أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة .

                                                                                                          قلت : في إسناد حديث أبي هريرة أيضا عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ، فهذا الحديث [ ص: 79 ] أيضا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار كما عرفت آنفا .

                                                                                                          والحديث الرابع حديث أنس ذكره ابن حزم في المحلى تعليقا بلفظ : " ثلاث من أخلاق النبوة : تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة تحت السرة " . قلت : لم أقف على سند هذا الحديث ، والعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به ولكنهم لا يذكرون إسناده ، فما لم يعلم إسناده لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار .

                                                                                                          قال صاحب الدرة : وأما حديث أنس " من أخلاق النبوة وضع اليمين والشمال تحت السرة الذي قال فيه العيني إنه رواه ابن حزم ، فسنده غير معلوم لينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا ، وقد روى هذا الحديث غير واحد من المحدثين من غير زيادة " تحت السرة " والزيادة إنما تقبل من الثقة المعلوم ، انتهى كلام صاحب الدرة ، وقال الشيخ هاشم السندي في رسالته دراهم الصرة : ومنها ما ذكره الزاهدي في شرح القدوري ، وابن أمير الحاج وابن نجيم في البحر الرائق : أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمين على الشمال تحت السرة في الصلاة " قال : لم أقف على سند هذا الحديث غير أن الزاهدي زاد أنه رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن قال ابن أمير الحاج وابن نجيم : إن المخرجين لم يعرفوا فيه موقوفا ومرفوعا لفظ ( تحت السرة ) ، انتهى كلام هاشم السندي . فهذه الأحاديث هي التي استدل بها على وضع اليدين تحت السرة في الصلاة وقد عرفت أنه لا يصلح واحد منها للاستدلال .

                                                                                                          " الفصل الثاني " في ذكر ما تمسك به من ذهب إلى وضع اليدين فوق السرة . لم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا المطلوب ، نعم أثر علي رضي الله عنه يدل على هذا ، روى أبو داود في سننه عن جرير الضبي ، قال : رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة . قلت : إسناده صحيح أو حسن لكنه فعل علي رضي الله عنه ليس بمرفوع ، ثم الظاهر أن المراد من قوله فوق السرة على مكان مرتفع من السرة أي على الصدر أو عند الصدر ، كما جاء في حديث وائل بن حجر . وفي حديث هلب الطائي ومرسل طاوس وستأتي هذه الأحاديث الثلاثة ويؤيده تفسيره رضي الله عنه قوله تعالى : وانحر بوضع اليدين على الصدر في الصلاة كما تقدم .

                                                                                                          الفصل الثالث في ذكر متمسكات من ذهب إلى وضع اليدين على الصدر . احتج هؤلاء بأحاديث : منها حديث وائل بن حجر قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره أخرجه ابن خزيمة ، وهذا حديث صحيح صححه ابن خزيمة كما صرح به ابن سيد الناس في شرح الترمذي ، وقد اعترف الشيخ محمد قائم السندي الحنفي في رسالته فوز [ ص: 80 ] الكرام أن هذا الحديث على شرط ابن خزيمة حيث قال فيها : الذي أعتقده أن هذا الحديث على شرط ابن خزيمة ، وهو المتبادر من صنيع الحافظ في الإتحاف ، والظاهر من قول ابن سيد الناس بعد ذكر حديث وائل في شرح جامع الترمذي ، وصححه ابن خزيمة ، انتهى . وقال ابن أمير الحاج الذي بلغ شيخه ابن الهمام في التحقيق وسعة الاطلاع في شرح المنية : إن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال ، ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلا حديث وائل المذكور . وهكذا قال صاحب البحر الرائق ، كذا في فتح الغفور للشيخ حياة السندي ، وقال الشوكاني في النيل . أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وصححه ، انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ في فتح الباري : ولم يذكر أي سهل بن سعد محلهما من الجسد ، وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره ، والبزار عند صدره وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة ، وإسناده ضعيف ، انتهى . فالظاهر من كلام الحافظ هذا ، أن حديث وائل عنده صحيح أو حسن ; لأنه ذكر هاهنا لغرض تعيين محل وضع اليدين ثلاثة أحاديث : حديث وائل ، وحديث هلب ، وحديث علي ، وضعف حديث علي ، وقال إسناده ضعيف ، وسكت عن حديث وائل وحديث هلب ، فلو كانا هما أيضا ضعيفين عنده لبين ضعفهما ، ولأنه قال في أوائل مقدمة الفتح ما لفظه : فإذا تحررت هذه الفصول وتقررت هذه الأصول افتتحت شرح الكتاب ، فأسوق الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية ، ثم أستخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية ، من تتمات وزيادات ، وكشف غامض ، وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك ، منتزعا كل ذلك من أمهات المسانيد والجامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد ، بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك ، انتهى كلام الحافظ . فقوله : بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك ، يدل على أن حديث وائل وكذا حديث هلب الطائي عنده صحيح أو حسن فتفكر . وأيضا قد صرح الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث وائل أخرجه ابن خزيمة ، وهو في مسلم دون قوله على صدره ، انتهى ، فالظاهر من كلامه هذا ، أن حديث ابن خزيمة هذا هو الذي في صحيح مسلم في وضع اليمنى على اليسرى سندا ومتنا ، بدون ذكر المحل . فالحاصل أن حديث وائل بن حجر صحيح قابل للاحتجاج والاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة تام صحيح .

                                                                                                          ومنها حديث هلب الطائي ، رواه الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، ثنا سماك عن قبيصة بن هلب ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن [ ص: 81 ] يساره ورأيته يضع هذه على صدره ، ووصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل " ورواة هذا الحديث كلهم ثقات ، وإسناده متصل ، أما يحيى بن سعيد فهو أبو سعيد القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة الجرح والتعديل . قال الحافظ في التقريب : ثقة متقن حافظ إمام قدوة ، وأما سفيان فهو الثوري ، قال في التقريب ، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة ، وربما كان دلس ، انتهى . قلت : قد صرح هاهنا بالتحديث فانتفت تهمة التدليس . وأما سماك فهو ابن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبو المغيرة صدوق ، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة ، وكان قد تغير بأخرة ، فكان ربما يلقن . كذا في التقريب . وقال الذهبي : قال أحمد : سماك مضطرب ، وضعفه شيبة . وقال ابن عمار : كان يغلط ، وقال العجلي : ربما وصل الشيء ، وكان الثوري يضعفه ، وقال : روايته مضطربة وليس من المثبتين . وقال صالح : يضعف . وقال ابن خداش : فيه لين ، ووثقه ابن معين وأبو حاتم ، انتهى . وكون السماك مضطرب الحديث لا يقدح في حديثه المذكور ، لأنه رواه عن قبيصة وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة ، وكذا تغيره في آخره لا يقدح أيضا ; لأن الحديث المذكور رواه عنه سفيان ، وهو ممن سمع قديما من سماك . قال في تهذيب الكمال . قال يعقوب : وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة ، وهو في غير عكرمة صالح ، وليس من المثبتين ومن سمع قديما من سماك مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه مستقيم ، انتهى . وأما قبيصة فهو أيضا ثقة كما عرفت فيما تقدم ، وأما أبوه فهو صحابي . فحديث هلب الطائي هذا حسن ، وقد اعترف صاحب آثار السنة بأن إسناده حسن ، فالاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة صحيح .

                                                                                                          ومنها : حديث طاوس رواه أبو داود في المراسيل : قال : حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم يعني ابن حميد ، عن ثور ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ، ثم يشد بينهما على صدره ، وهو في الصلاة وهذا الحديث قد وجد في بعض نسخ أبي داود . قال الحافظ المزي في الأطرف في حرف الطاء من كتاب المراسيل : الحديث أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل ، وكذا قال البيهقي في المعرفة ، فحديث طاوس هذا مرسل ; لأن طاوسا تابعي وإسناده حسن ، والحديث المرسل حجة عند الإمام أبي حنيفة ومالك وأحمد مطلقا ، وعند الشافعي إذا اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسندا كان أو مرسلا . وقد اعتمد هذا المرسل بحديث وائل ، وبحديث هلب الطائي المذكورين ، فالاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة صحيح .

                                                                                                          تنبيه : قال بعض الحنفية : حديث وائل فيه اضطراب ، فأخرج ابن خزيمة في هذا الحديث " على صدره " والبزار " عند صدره " وابن أبي شيبة تحت السرة .

                                                                                                          [ ص: 82 ] قلت : قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب ، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم ( ولا يعل الصحيح ) بالمرجوح ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين . وهاهنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية ، فإن في ثبوت لفظ ( تحت السرة ) في رواية ابن أبي شيبة نظرا قويا كما تقدم بيانه . وأما رواية ابن خزيمة بلفظ : على صدره ورواية البزار بلفظ : عند صدره ، فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى . ووجه الرجحان أن لها شاهدا حسنا من حديث هلب ، وأيضا يشهدها مرسل طاوس بخلاف الأخرى فليس لها شاهد ، ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر . قال الشيخ أبو المحاسن محمد الملقب بالقائم السندي في رسالته فوز الكرام : قال العلامة الشيخ أبو الحسن في رسالة جواز التقليد ، والعمل بالحديث بعد ذكر حديث وائل وهلب ومرسل طاوس ، وتفسير علي وأنس وابن عباس : هذه الأحاديث قد أخذ بها الشافعي ، لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون آخر اليد تحت الصدر جمعا بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات " عند الصدر " ، انتهى . وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة ، فقول بعض الحنفية بالاضطراب في حديث وائل مما لا يصغى إليه .

                                                                                                          تنبيه آخر : قال النيموي في آثار السنن بعد ذكر حديث هلب الطائي : رواه أحمد وإسناده حسن لكن قوله " على صدره " غير محفوظ ، يعني أنه شاذ ، وبين وجه كونه شاذا غير محفوظ أن يحيى بن سعيد القطان خالف في زيادة قوله على صدره غير واحد من أصحاب سفيان وسماك فإنهم لم يذكروا هذه الزيادات . وعرف الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات ، أو من هو أوثق منه وأحفظ وأعم من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا . وادعى أن هذا هو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل ، وابن معين والبخاري وغيرهم من المحدثين المتقدمين ، واستدل عليه بأن هذا يفهم من صنيعهم في زيادة " ثم لا يعود " في حديث ابن مسعود و " فصاعدا " في حديث عبادة " وإذا قرأ فأنصتوا " في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري ، وكذلك في كثير من المواضع حيث جعلوا الزيادات شاذة بزعمهم أن راويها قد تفرد بها مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث .

                                                                                                          قلت : تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب آثار السنن ليس بصحيح ، وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين ألبتة ، وجه عدم صحته ، أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات ، أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث ، شاذة غير مقبولة .

                                                                                                          [ ص: 83 ] واللازم باطل فالملزوم مثله . والدليل على بطلان اللازم أن كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون كالشافعي والبخاري وغيرهما وكذا قبلها المتأخرون ، إلا إن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة فحينئذ لا يقبلونها .

                                                                                                          ألا ترى أن الإمام البخاري رحمه الله قد أدخل في صحيحه من الأحاديث ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه غير منافية ، ولم يزدها جماعة من الثقات ، أو من هو أوثق منه وأحفظ ، وقد طعن بعض المحدثين بإدخال مثل هذه الأحاديث في صحيحه ظنا منهم أن مثل هذه الزيادات ليست بصحيحة . وقد أجاب المحققون عن هذا الطعن : بأن مثل هذه الزيادات صحيحة . قال الحافظ في مقدمة الفتح ص 402 : فالأحاديث التي انتقدت عليهما أي البخاري ومسلم ، تنقسم أقساما ثم بين الحافظ القسم الأول والثاني ، ثم قال القسم الثالث منهما ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها . فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع . أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث يكون كالحديث المستقل . فلا ، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته ، فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين ، انتهى . وأيضا قال الحافظ فيها : قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين فقال هو من أهل النار الحديث . وفيه إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار . ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم قال : وقد رواه ابن أبي حازم ، ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي ، عن أبي حازم ، فلم يقولوا في آخره " وإنما الأعمال بالخواتيم " قال الحافظ زادها أبو غسان وهو ثقة حافظ فاعتمده البخاري ، انتهى . وقد صرح بقبول مثل هذه الزيادة ابن التركماني في الجوهر النقي والحافظ الزيلعي في نصب الراية في مواضع عديدة ، بل أشار النيموي نفسه في كتابه آثار السنن أيضا بقبول مثل هذه الزيادة في موضع منه ص 17 حيث قال فزيادته ، أي زيادة الحميدي تقبل جدا لأنها ليست منافية لمن هو أوثق منه ، انتهى . فلما ظهر بطلان اللازم ثبت بطلان الملزوم أعني بطلان تعريف الشاذ الذي ذكره صاحب آثار السنن من عند نفسه .

                                                                                                          فإن قلت : فما تعريف الشاذ الذي عليه المحققون .

                                                                                                          قلت : قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري ص 445 : وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة ، فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا بخلاف ما روى ، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ ، انتهى . فهذا التعريف هو [ ص: 84 ] الذي عليه المحققون ، وهو المعتمد ، قال الحافظ في شرح النخبة ص 37 فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات ، فالراجح يقال له المحفوظ ومقابله وهو المرجوح يقال له الشاذ . ( إلى أن قال ) وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه وهو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح ، انتهى . والمراد من المخالفة في قوله مخالفا : المنافاة دون مطلق المخالفة ، يدل عليه قول الحافظ في هذا الكتاب ص 37 وزيادة راويهما ، أي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة ، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها . فهذه تقبل مطلقا ، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي يتفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره ، وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى ، فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها ، فيقبل الراجح ويرد المرجوح ، انتهى .

                                                                                                          وقال الشيخ ابن حجر الهيثمي في رسالته المتعلقة بالبسملة : الشاذ اصطلاحا فيه اختلاف كثير ، والذي عليه الشافعي والمحققون أن ما خالف فيه راو ثقة بزيادة أو نقص في سند أو متن ثقات ، لا يمكن الجمع بينهما مع اتحاد المروي عنه ، انتهى . وقال الشيخ عمر البيقوني في منظومته في مصطلح أهل الحديث

                                                                                                          وما يخالف ثقة فيه الملا . فالشاذ والمقلوب قسمان تلا

                                                                                                          .

                                                                                                          قال الشارح الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني وما يخالف ثقة فيه بزيادة أو نقص في السند أو المتن الملأ أي الجماعة الثقات فيما رووه وتعذر الجمع بينهما ، فالشاذ كما قاله الشافعي وجماعة من أهل الحجاز ، وهو المعتمد كما صرح به في شرح النخبة لأن العدد أولى بالحفظ من الواحد ، وعليه فما خالف الثقة فيه الواحد الأحفظ شاذ . وفي كلام ابن الصلاح وغيره ما يفهمه ، انتهى . وقال العلامة المجد صاحب القاموس في منظومته في أصول الحديث ،

                                                                                                          ثم الذي ينعت بالشذوذ . كل حديث مفرد مجذوذ

                                                                                                          . خالف فيه الناس ما رواه . لأنه روى ما لا روى سواه .

                                                                                                          قال الشيخ سليمان بن يحيى بن عمر بن مقبول الأهدل في شرحه المسمى بالمنهل الروي : الشاذ لغة المنفرد ، يقال شذ يشذ شذوذا إذا انفرد ، وأما اصطلاحا ففيه اختلاف كثير ، ومقتضى ما ذكره الناظم الإشارة إلى قولين الأول : ما ذهب إليه الشافعي وجماعة من أهل الحجاز . أنه ما رواه الثقة مخالفا لرواية الناس أي الثقات ، وإن كانوا دونه في الحفظ والإتقان ، وذلك لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد . وألحق ابن الصلاح بالثقات الثقة الأحفظ ، وسواء كانت المخالفة بزيادة أو نقص في سند أو متن إن كانت لا يمكن الجمع بين الطرفين فيهما مع اتحاد المروي ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 85 ] فإن قلت : فلم لم يقبل المحدثون المتقدمون كالشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وأبي داود وأبي حاتم وأبي علي النيسابوري والحاكم والدارقطني وغيرهم زيادة " ثم لا يعود " في حديث ابن مسعود ، وزيادة " فصاعدا " في حديث عبادة وزيادة " وإذا قرأ فأنصتوا " في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري ، ولم يجعلوها غير محفوظة مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث .

                                                                                                          قلت : إنما لم يقبلوا هذه الزيادات لأنه قد وضح لهم دلائل على أنها وهم من بعض الرواة كما بينوه وأوضحوه ، لا لمجرد أن راويها قد تفرد بها كما زعم النيموي . وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لئلا يغتر القاصرون بما حقق النيموي في زعمه الفاسد .

                                                                                                          قوله : ( واسم هلب يزيد بن قنافة الطائي ) بضم القاف وخفة النون وبفاء كذا في المغني لصاحب مجمع البحار .




                                                                                                          الخدمات العلمية