الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الحب في الله

                                                                                                          2390 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن برقان حدثنا حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي رباح عن أبي مسلم الخولاني حدثني معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء وفي الباب عن أبي الدرداء وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي مالك الأشعري قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا كثير بن هشام ) الكلابي أبو سهل الرقي نزيل بغداد ، ثقة من السابعة ( أخبرنا حبيب بن أبي مرزوق ) الرقي ثقة فاضل من السابعة .

                                                                                                          [ ص: 56 ] قوله : ( المتحابون في جلالي ) أي لأجل إجلالي وتعظيمي ( يغبطهم النبيون والشهداء ) قال القاري : بكسر الموحدة من الغبطة بالكسر ، وهي تمني نعمة على ألا تتحول عن صاحبها ، بخلاف الحسد فإنه تمني زوالها عن صاحبها فالغبطة في الحقيقة عبارة عن حسن الحال كذا قيل . وفي القاموس : الغبطة حسن الحال والمسرة ، فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللغوي ، فمعنى الحديث يستحسن أحوالهم الأنبياء والشهداء . قال : وبهذا يزول الإشكال الذي تحير فيه العلماء . وقال القاضي : كل ما يتحلى به الإنسان أو يتعاطاه من علم وعمل ، فإن له عند الله منزلة لا يشاركه فيه صاحبه ممن لم يتصف بذلك وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون له مثل ذلك مفهوما إلى ما له من المراتب الرفيعة أو المنازل الشريفة ، وذلك معنى قوله : يغبطهم النبيون والشهداء فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة والخاصة ، إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقها ، والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة وفازوا بالفوز الأكبر ، فلعلهم لن يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء ، فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله ، ودوا لو كانوا ضامين خصالهم فيكونون جامعين بين الحسنتين وفائزين بالمرتبتين . وقيل : إنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على هؤلاء بل بيان فضلهم وعلو شأنهم وارتفاع مكانهم وتقريرها على آكد وجه وأبلغه .

                                                                                                          والمعنى أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي الدرداء وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي هريرة ) وأبي مالك الأشعري أما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني بإسناد حسن ، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني في الأوسط ، وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد بإسناد صحيح ، وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم ، وقال صحيح الإسناد . ذكر المنذري أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في ترغيبه ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه مرفوعا : أن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي ، يوم لا ظل إلا ظلي . وله أحاديث أخرى في هذا الباب .

                                                                                                          [ ص: 57 ] قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك وأحمد والطبراني والحاكم والبيهقي بلفظ : قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في .

                                                                                                          قوله : ( وأبو مسلم الخولاني ) الزاهد الشامي ( اسمه عبد الله بن ثوب ) بضم المثلثة وفتح الواو بعدها موحدة قال في التقريب : وقيل : بإشباع الواو ، وقيل : ابن أثوب وزن أحمر ، ويقال : ابن عوف ، أو ابن مشكم ويقال : اسمه يعقوب بن عوف ثقة عابد من الثانية ، رحل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يدركه وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية .




                                                                                                          الخدمات العلمية