الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 346 ] سورة "الحجرات"

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم

                                                                                                                                                                                                                                      1 - يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا ؛ "قدمه"؛ و"أقدمه"؛ منقولان بتثقيل الحشو؛ والهمزة؛ من "قدمه"؛ إذا تقدمه؛ في قوله (تعالى): يقدم قومه ؛ وحذف المفعول ليتناول كل ما وقع في النفس مما يقدم من القول؛ أو الفعل؛ وجاز ألا يقصد مفعول؛ والنهي متوجه إلى نفس التقدمة؛ كقوله: وهو الذي يحيي ويميت أو هو من "قدم"؛ بمعنى "تقدم"؛ كـ "وجه"؛ بمعنى "توجه"؛ ومنه مقدمة الجيش؛ وهي الجماعة المتقدمة منه؛ ويؤيده قراءة يعقوب: "لا تقدموا"؛ بحذف إحدى تاءي "تتقدموا"؛ بين يدي الله ورسوله ؛ حقيقة قولهم: "جلست بين يدي فلان"؛ أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله؛ قريبا منه؛ فسميت الجهتان "يدين"؛ لكونهما على سمت اليدين؛ مع القرب منهما؛ توسعا؛ كما يسمى الشيء باسم غيره؛ إذا جاوره؛ وفي هذه العبارة ضرب من المجاز الذي يسمى "تمثيلا"؛ وفيه فائدة جليلة؛ وهي تصوير الهجنة؛ والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور؛ دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة؛ ويجوز أن [ ص: 347 ] يجرى مجرى قولك: "سرني زيد وحسن حاله"؛ أي: "سرني حسن حال زيد"؛ فكذلك هنا المعنى "بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ وفائدة هذا الأسلوب الدلالة على قوة الاختصاص؛ ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الله بالمكان الذي لا يخفى؛ سلك به هذا المسلك؛ وفي هذا تمهيد لما نقم منهم؛ من رفع أصواتهم فوق صوته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن من فضله الله بهذه الأثرة؛ واختصه هذا الاختصاص؛ كان أدنى ما يجب له من التهيب؛ والإجلال؛ أن يخفض بين يديه الصوت؛ وعن الحسن أن أناسا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة؛ فنزلت؛ وأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيدوا ذبحا آخر؛ وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها نزلت في النهي عن صوم يوم الشك؛ واتقوا الله ؛ فإنكم إن اتقيتموه عاقتكم التقوى عن التقدمة المنهي عنها؛ إن الله سميع ؛ لما تقولون؛ عليم ؛ بما تعملون؛ وحق مثله أن يتقى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية