الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة المزمل .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( يا أيها المزمل ( 1 ) ) .

قوله تعالى : ( المزمل ) : أصله المتزمل ؛ فأبدلت التاء زايا ، وأدغمت .

وقد قرئ بتشديد الميم وتخفيف الزاي ؛ وفيه وجهان ؛ أحدهما : هو مضاعف ، والمفعول محذوف ؛ أي المزمل نفسه . والثاني : هو مفتعل ؛ فأبدلت الفاء ميما .

قال تعالى : ( نصفه أو انقص منه قليلا ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( نصفه ) : فيه وجهان :

أحدهما : هو بدل من " الليل " بدل بعض من كل ؛ و " إلا قليلا " : استثناء من نصفه .

[ ص: 472 ] والثاني : هو بدل من " قليلا " وهو أشبه بظاهر الآية ؛ لأنه قال تعالى : " أو انقص منه " ، " أو زد عليه " والهاء فيهما للنصف ؛ فلو كان الاستثناء من النصف لصار التقدير : قم نصف الليل قليلا ، أو انقص منه قليلا ؛ أي على الباقي ؛ والقليل المستثنى غير مقدر ، فالنقصان منه لا يعقل .

قال تعالى : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( أشد وطئا ) : بكسر الواو بمعنى مواطأة ؛ وبفتحها . وهو اسم للمصدر . ووطأ على فعل ، وهو مصدر وطئ ، وهو تمييز .

قال تعالى : ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( تبتيلا ) : مصدر على غير المصدر ، واقع موضع تبتل .

وقيل : المعنى بتل نفسك تبتيلا .

قال تعالى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( رب المشرق ) : يقرأ بالجر على البدل ، وبالنصب على إضمار أعني ، أو بدلا من " اسم " ، أو بفعل يفسره : " فاتخذه " أي اتخذ رب المشرق . وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ ، و " لا إله إلا هو " الخبر .

قال تعالى : ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( والمكذبين ) : هو مفعول معه . وقيل : هو معطوف .

و ( النعمة ) بفتح النون : التنعم ؛ وبكسرها : كثرة الخير .

قوله تعالى : ( ومهلهم قليلا ) : أي تمهيلا قليلا ، أو زمانا قليلا .

قال تعالى : ( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ( 14 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم ترجف ) : هو ظرف للاستقرار في خبر إن .

وقيل : هو وصف لعذاب ؛ أي واقعا يوم ترجف . وقيل : هو ظرف لأليم .

[ ص: 473 ] وأصل مهيل : مهيول ، فحذفت الواو عند سيبويه وسكنت الياء ؛ والياء عند الأخفش وقلبت الواو ياء .

قال تعالى : ( فعصى فرعون الرسول . . . ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( فعصى فرعون الرسول ) : إنما أعاده بالألف واللام ؛ ليعلم أنه الأول . فكأنه قال : فعصاه فرعون .

قال تعالى : ( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ( 17 ) السماء منفطر به كان وعده مفعولا ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( يوما ) : هو مفعول " تتقون " أي تتقون عذاب يوم .

وقيل : هو مفعول " كفرتم " أي بيوم . و ( يجعل الولدان ) : نعت اليوم ، والعائد محذوف ، أي فيه .

و ( منفطر ) بغير تاء على النسب ، أي ذات انفطار . وقيل : ذكر حملا على معنى السقف . وقيل : السماء تذكر وتؤنث .

قال تعالى : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( ونصفه وثلثه ) : بالجر حملا على " ثلثي " وبالنصب حملا على " أدنى " . ( وطائفة ) : معطوف على ضمير الفاعل ، وجرى الفصل مجرى التوكيد .

قوله تعالى : ( أن سيكون ) : أن مخففة من الثقيلة ، والسين عوض من تخفيفها وحذف اسمها . و ( يبتغون ) : حال من الضمير في " يضربون " .

قوله تعالى : ( هو خيرا ) : هو فصل ، أو بدل ، أو توكيد ، و " خيرا " : المفعول الثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية