الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 385 ] مختصر من كتاب قسم الفيء وقسم الغنائم

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " أصل ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة وجوه أحدها ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له فذلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء ، والوجهان الآخران ما أخذ من مال مشرك فكلاهما مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله فأحدهما الغنيمة قال تبارك وتعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال : 41 ] الآية والوجه الثاني : هو الفيء قال الله تعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى [ الحشر : 17 ] الآية . ( قال الشافعي ) - رحمه الله - : فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له في الآيتين معا سواء ، ثم تفترق الأحكام في الأربعة الأخماس بما بين الله تبارك وتعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي فعله ، فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة على ما وصفت من قسم الغنيمة وهي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير ، والفيء هو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قرى عربية أفاءها الله عليه أربعة أخماسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون المسلمين يضعه حيث أراه الله تعالى . قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث اختصم إليه العباس وعلي - رضي الله عنهما - في أموال النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون المسلمين ، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ذلك ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها . ( قال الشافعي ) : وفي ذلك دلالة على أن عمر - رضي الله عنه - حكى أن أبا بكر وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما رأيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به فيها وأنه لم يكن لهما مما لم يوجف عليه من الفيء ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنهما فيه أسوة المسلمين ، وكذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أعلم أحدا من أهل العلم قال : إن [ ص: 386 ] ذلك لورثتهم ولا خالف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح للإسلام وأهله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقتسمن ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة قال : فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأربعة أخماسه على ما سأبينه ، وكذلك ما أخذ من مشرك من جزية وصلح عن أرضهم ، أو أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ، أو مات منهم ميت لا وارث له ، أو ما أشبه هذا مما أخذه الولاة من المشركين ، فالخمس فيه ثابت على من قسمه الله له من أهل الخمس الموجف عليه من الغنيمة ، وهذا هو المسمى في كتاب الله تبارك وتعالى الفيء ، وفتح في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوح من قرى عربية وعدها الله رسوله قبل فتحها فأمضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سماها الله ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له - صلى الله عليه وسلم - ، ومعنى قول عمر لرسول الله خاصة يريد ما كان يكون للموجفين وذلك أربعة أخماس ، فاستدللنا بذلك أن خمس ذلك كخمس ما أوجف عليه لأهله وجملة الفيء ما رده الله على أهل دينه من مال من خالف دينه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الغنيمة فهي من الغنم والغنم مستفاد بغير بدل ، قال امرؤ القيس :


                                                                                                                                            وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب



                                                                                                                                            وأما الفيء فهو الرجوع ومنه قوله تعالى : حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ولذلك قيل لما بعد الزوال من الظل فيء . لرجوعه والأنفال لما قبل الزوال فيء إلا على وجه المجاز ، قال امرؤ القيس :


                                                                                                                                            تيممت العين التي عند ضارج     يفيء عليها الظل عرمضها طامي



                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية