الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن الغنى غنى النفس

                                                                                                          2373 حدثنا أحمد بن بديل بن قريش اليامي الكوفي حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو حصين اسمه عثمان بن عاصم الأسدي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا أحمد بن بديل بن قريش اليامي ) بالتحتانية أبو جعفر قاضي الكوفة ، صدوق له أوهام من العاشرة ( عن أبي حصين ) هو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي ( عن أبي صالح ) هو السمان .

                                                                                                          قوله : ( ليس الغنى ) بكسر أوله مقصود أي الحقيقي المعتبر النافع ( عن كثرة العرض ) بفتح المهملة والراء ثم ضاد معجمة . قال الحافظ : أما عن فهي سببية وأما العرض فهو ما ينتفع به من متاع الدنيا ، ويطلق بالاشتراك على ما يقابل الجوهر وعلى كل ما يعرض للشخص من مرض ونحوه . وقال أبو عبيد : العروض الأمتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار ، وما لا يدخله كيل ولا وزن . وقال ابن فارس : العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقد وجمعه عروض . وأما بالفتح فما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا قال تعالى : تريدون عرض الدنيا وقال : وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ، ( ولكن الغنى غنى النفس ) وقال ابن بطال : معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال ؛ لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه ، فكأنه فقير لشدة حرصه ، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس ، وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ، ولا ألح في الطلب فكأنه غني . وقال القرطبي : معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس ، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت على المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه ، فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال [ ص: 36 ] لدناءة همته وبخله ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم ، فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل . والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعا بما رزقه لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ، ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال ، بل يرضى بما قسم الله له ، فكأنه واجد أبدا . والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أعطي ، بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه . ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال ؛ لأنه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني . ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره ، علما بأن الذي عند الله خير وأبقى ، فهو معرض عن الحرص والطلب . وما أحسن قول قائل :


                                                                                                          غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا



                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية