الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وفرض الغسل غسل فمه وأنفه وبدنه ) قد تقدم وجه تقديم الوضوء على الغسل والواو في قوله وفرض إما للاستئناف أو للعطف على قوله فرض الوضوء والفرض مصدر بمعنى المفروض لأن المصدر يذكر ويراد به الزمان والمكان والفاعل والمفعول كذا في الكشاف وقوله الغسل يعني غسل الجنابة والحيض والنفاس كذا في السراج الوهاج وظاهره أن المضمضة والاستنشاق ليستا شرطين في الغسل المسنون حتى يصح بدونهما .

                                                                                        ثم اعلم أن الكلام في [ ص: 48 ] الغسل في مواضع في تفسيره لغة وشرعا وفي سببه وركنه وشرائطه وسننه وآدابه وصفته وحكمه أما تفسيره لغة فهو بالضم اسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا ومنه في حديث ميمونة فوضعت له غسلا كذا في المغرب وقال النووي أنه بفتح الغين وضمها لغتان والفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة والضم هو الذي تستعمله الفقهاء أو أكثرهم واصطلاحا هو المعنى الأول اللغوي وهو غسل البدن وقد تقدم تفسير الغسل بالفتح لغة وشرعا

                                                                                        وأما ركنه فهو إسالة الماء على جميع ما يمكن إسالته عليه من البدن من غير حرج مرة واحدة حتى لو بقيت لمعة لم يصبها الماء لم يجز الغسل ، وإن كانت يسيرة لقوله تعالى { ، وإن كنتم جنبا فاطهروا } أمر الله سبحانه وتعالى بالأطهر بضم الهاء ; لأن أصله تطهر فأدغمت التاء في الطاء لقرب المخرج فجيء بحرف الوصل ليتوصل بها إلى النطق فصار اطهروا وبعض من لا خبرة له ولا دراية يقرأ بالاطهار وما ذاك إلا لحرمانه من العربية كذا في غاية البيان ، وهو تطهير جميع البدن واسم البدن يقع على الظاهر والباطن إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص ، وكذا ما يتعسر ; لأن المتعسر منفي كالمتعذر كداخل العينين ، فإن في غسلهما من الحرج ما لا يخفى فإن العين شحم لا تقبل الماء وقد كف بصر من تكلف له من الصحابة كابن عمر وابن عباس ; ولهذا لا تغسل العين إذا اكتحل بكحل نجس ; ولهذا وجبت المضمضة والاستنشاق في الغسل ; لأنه لا حرج في غسلهما فشملهما نص الكتاب من غير معارض كما شملهما قوله صلى الله عليه وسلم { تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة } رواه الترمذي من غير معارض والبشرة ظاهر الجلد بخلافهما في الوضوء ; لأن الواجب فيه غسل الوجه ولا تقع المواجهة بداخلهما

                                                                                        وأما قوله صلى الله عليه وسلم { عشر من الفطرة } وذكر منها المضمضة والاستنشاق لا يعارضه إذ كونهما من الفطرة لا ينفي الوجوب ; لأنها الدين ، وهو أعم منه قال صلى الله عليه وسلم { كل مولود يولد على الفطرة } والمراد أعلى الواجبات على ما هو أعلى الأقوال ، وهو على هذا فلا حاجة إلى حمل المروي على حالة الحدث بدليل قوله صلى الله عليه وسلم { إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء } كأنه يعني ما عن أبي هريرة { أنه صلى الله عليه وسلم جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة } لكن انعقد الإجماع على خروج اثنين منها ، وهو ضعيف كذا في فتح القدير والمراد بأعلى الواجبات الإسلام لكن قال أبو نصر الدبوسي كما نقله عنه الحاوي الحصري لا يصح أن يقال إن المولود يولد على الإسلام ; لأن من حكم بإسلامه مرة لم ينقل أبدا إلى غيره ولا يقر عليه بل معناه أنه يولد على الخلقة القابلة للإسلام بحيث إنه لو نظر إلى خلقته وتفكر فيها على حسب ما يجب لدلته على ربوبيته تعالى ووحدانيته ، ولو شرب الماء عبا أجزأه عن المضمضة لا مصا وعن أبي يوسف لا إلا أن يمجه وفي الواقعات لا يخرج بالشرب على وجه السنة أو غيره ما لم يمجه ، وهو أحوط كذا في الخلاصة

                                                                                        وقد يقال إن الأحوط الخروج ووجه كونه أحوط أنه قيل إن المج من شرط المضمضة والصحيح أنها ليست بشرط فكان الاحتياط الخروج عن الجنابة ; لأن الاحتياط [ ص: 49 ] العمل بأقوى الدليلين وأقواهما هنا الخروج بناء على الصحيح كما لا يخفى ، ولو كان سنه مجوفا أو بين أسنانه طعام أو درن رطب يجزيه ; لأن الماء لطيف يصل إلى كل موضع غالبا كذا في التجنيس ثم قال ذكر الصدر الشهيد حسام الدين في موضع آخر إذا كان في أسنانه كوات يبقى فيها الطعام لا يجزيه ما لم يخرجه ويجري الماء عليها ، وفي فتاوى الفضلي والفقيه أبي الليث خلاف هذا فالاحتياط أن يفعل ا هـ .

                                                                                        وفي معراج الدراية الأصح أنه يجزيه والدرن اليابس في الأنف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع تمام الاغتسال ، وكذا جلد السمك والوسخ والدرن لا يمنع والتراب والطين في الظفر لا يمنع ; لأن الماء ينفد فيه وما على ظفر الصباغ يمنع وقيل لا يمنع للضرورة قال في المضمرات : وعليه الفتوى والصحيح أنه لا فرق بين القروي والمدني ا هـ .

                                                                                        ولو بقي على جسده خرء برغوث أو ونيم ذباب أي ذرقه لم يصل الماء تحته جازت طهارته ويجب تحريك القرط والخاتم الضيقين ، ولو لم يكن قرط فدخل الماء الثقب عند مروره أجزأه كالسرة ، وإلا أدخله كذا في فتح القدير ولا يتكلف في إدخال شيء سوى الماء من خشب ونحوه كذا في شرح الوقاية ويدخل القلفة استحبابا على ما نبينه وتغسل فرجها الخارج وجوبا في الغسل وسنة في الوضوء كذا في المحيط ; لأنه كالفم ولا تدخل أصابعها في قبلها وبه يفتى ولو كان في الإنسان قرحة فبرأت وارتفع قشرها وأطراف القرحة متصلة بالجلد إلا الطرف الذي كان يخرج منه القيح ، فإنه يرتفع ولا يصل الماء إلى ما تحت القشرة أجزأه وضوءه ، وفي معناه الغسل كذا في النوازل لأبي الليث ونقله الهندي أيضا ، ويجوز للجنب أن يذكر اسم الله تعالى ، ويأكل ويشرب إذا تمضمض هكذا قيد في فتح القدير وظاهره أنه لا يجوز له قبل المضمضة لكن ذكر في البزازية ما يفيد أن هذا على رواية نجاسة الماء المستعمل ولفظها ويحل للجنب شرب الماء قبل المضمضة على وجه السنة ، وأن لا على وجهها لا ; لأنه شارب الماء المستعمل ، وأنه نجس ا هـ .

                                                                                        فينبغي على الرواية المختارة المصححة المفتى بها من طهارة الماء المستعمل أن يباح الشرب مطلقا ويستفاد منه أن انفصال الماء عن العضو أعم من أن يكون إلى الباطن أو إلى الظاهر والمنقول في فتاوى قاضي خان الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب فالمستحب له أن يغسل يديه وفاه ، وإن ترك لا بأس واختلفوا في الحائض

                                                                                        قال بعضهم : هي والجنب سواء وقال بعضهم : لا يستحب هاهنا ; لأن بالغسل لا تزول نجاسة الحيض عن الفم واليد بخلاف الجنابة ا هـ .

                                                                                        فاحفظه وللجنب أن يعاود أهله قبل أن يغتسل إلا إذا احتلم ، فإنه لا يأتي أهله ما لم يغتسل كذا في المبتغى وأقره عليه في فتح القدير وتعقبه في شرح منية المصلي بأن ظاهر الأحاديث فيه يفيد الاستحباب لا نفي الجواز المفاد من ظاهر كلامه ، ويجوز نقل البلة في الغسل من عضو إلى عضو ، إذا كان متقاطرا بخلاف الوضوء ، ولا يضر ما انتضح من غسله في إنائه بخلاف ما لو قطر كله في الإناء وسيأتي تمامه في بحث الماء المستعمل إن شاء الله تعالى ، وأما شرائطه فما تقدم من شرائط الوضوء ، وأما حكمه فاستباحة ما لا يحل إلا به ، وأما سننه وآدابه وصفته وسببه فستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى ولا بأس بإيراد حديث مسلم بتمامه والتكلم على بعض معانيه روى مسلم بإسناده عن عائشة قالت قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال مصعب أحد رواته ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة . وانتقاص الماء } بالقاف والصاد المهملة الاستنجاء وقيل انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره وقال الجمهور الانتضاح ، وهو نضح الفرج بماء قليل لينفي عنه الوسواس

                                                                                        فإذا أراه الشيطان ذلك أحاله على الماء وقد صرح بذلك مشايخنا في كتبهم لكن قالوا إن هذه الحيلة إنما تنفعه إذا كان العهد قريبا بحيث لم يجف البلل [ ص: 50 ] أما إذا كان بعيدا و جف البلل ثم رأى بللا يعيد الوضوء . والاستحداد حلق العانة سمي استحدادا لاستعمال الحديدة ، وهي الموسى ، وهو سنة والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه إلى السرة وإعفاء اللحية توفيرها والبراجم بفتح الباء والجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم ، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها قال بعض العلماء : ويلتحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فيزيله بالمسح وكذلك جميع الأوساخ ، وأما الفطرة فقد تقدم من المحقق الكمال أنها الدين ، وهو قول البعض وذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة ، وهي في الأصل الخلقة وفي بعض هذه الخصال ما هو واجب عند بعض العلماء ولا يمتنع قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } ، فإن الإيتاء واجب والأكل ليس بواجب كذا ذكر النووي ولا يخفى ما فيه ، فإن العطف في الآية ليس نظير ما في الحديث ، فإن الفطرة إذا فسرت بالسنة يقتضي أن جميع المعدود من السنة ، فإنه إذا قيل جاء عشر من الرجال لا يجوز أن يكون فيهم من ليس منهم ، فالأولى في الفطرة تفسيرها بالدين وقد تقدم معنى المضمضة والاستنشاق وأن المبالغة فيهما سنة في الوضوء ، وكذلك في الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم { بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما } وهو حديث صحيح ذكره النووي والصارف له عن الوجوب الاتفاق على عدمه كما نقله السراج الهندي

                                                                                        واعلم أن الحديث الذي ذكره في فتح القدير ، وهو { تحت كل شعرة جنابة } إلخ وإن رواه أبو داود والترمذي كما ذكره الهندي فقد ضعفه النووي ونقل ضعفه عن الشافعي ويحيى بن معين والبخاري وأبي داود وغيرهم والله أعلم ( قوله : لا دلكه ) أي لا يفترض دلك بدنه في الغسل ، وقد تقدم أنه إمرار اليد على الأعضاء المغسولة ، فلو أفاض الماء فوصل إلى جميع بدنه ، ولم يمسه بيده أجزأه غسله وكذا وضوءه قال النووي وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء واحتجا بأن الغسل هو إمرار اليد ولا يقال لواقف في المطر اغتسل ونقل في فتح القدير أنه رواية عن أبي يوسف أيضا قال وكأن وجهه خصوص صيغة اطهروا ، فإن فعل للتكثير إما في الفعل نحو حولت وطوفت أو في الفاعل نحو موت الإبل أو في المفعول نحو { وغلقت الأبواب } والثاني يستدعي كثرة الفاعل فلا يقال في شاة واحدة موت والثالث كثرة المفعول فلا يقال في باب واحد غلقته .

                                                                                        وإن غلقه مرارا كما قيل فتعين كثرة الفعل ، وهو بالدلك ا هـ .

                                                                                        ولم يجب عنه والذي ذكره الشارحون هنا أن المأمور به في النص هو التطهير ، ولا يتوقف ذلك على الدلك فمن شرطه فقد زاد في النص ، وهو نسخ وذكر النووي أنه يحتج { بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك } ولم يأمره بزيادة ، وهو حديث صحيح وقولهم لا تسمى الإفاضة غسلا ممنوع ا هـ .

                                                                                        وأما قوله في فتح القدير إن فعل للتكثير إلى قوله فتعين كثرة الفعل قد يقال إن صيغة اطهروا يجوز أن تكون من قبيل التكثير [ ص: 51 ] في المفعول وقوله إن التكثير في المفعول يستدعي كثرة المفعول مسلم فيما إذا كان الفعل لا تكثير فيه كموت الإبل أما إذا كان في الفعل تكثير فيجوز أن يكون فعل للتكثير في المفعول ، وإن كان الفاعل والمفعول واحدا كقطعت الثوب ، فإن التكثير فيه للتكثير في الفعل ، وإن كان المفعول واحدا وطهر من هذا القبيل ; لأنك تقول طهرت البدن يشهد لهذا ما ذكره المحقق العلامة أحمد الجاربردي في شرح الشافية للمحقق ابن الحاجب في التصريف بما لفظه قوله وفعل للتكثير ، وهو إما في الفعل نحو حولت وطوفت أو في الفاعل نحو موت الإبل أو في المفعول نحو غلقت الأبواب

                                                                                        فإن فقد ذلك لم يسغ استعماله فلذلك كان موت الشاة لشاة واحدة خطأ ; لأن هذا الفعل لا يستقيم تكثيره بالنسبة إلى الشاة إذ لا يستقيم تكثيرها وهي واحدة وليس ثم مفعول ليكون التكثير له وينبغي أن يعلم أن هذا بخلاف قولك قطعت الثوب ، فإن ذلك سائغ ، وإن كان الفاعل واحدا ذكره المصنف في شرح المفصل ثم قال فيه إن قوله في المفصل ولا يقال للواحد لم يرد به إلا ما لم يستقم فيه تكثير الفعل ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وظاهره أن المضمضة والاستنشاق ليستا شرطين في الغسل المسنون ) قال العلامة الشيخ محمد الغزي في المنح فيه نظر ; لأنه إن أراد أن كلا منهما ليس بفرض في الاغتسال المسنون فمسلم ، وإن أراد أنهما ليسا بشرط في تحصيل السنة فممنوع ولعل مراد صاحب السراج الأول ولا كلام فيه ا هـ .

                                                                                        [ ص: 48 ] ( قوله : لمعة ) بضم اللام ومن فتحها فقد أخطأ ، وهي قطعة من البدن أو العضو لم يصبه الماء في الاغتسال أو الوضوء وأصله في اللغة قطعة من نبت أخذت في اليبس . ا هـ .

                                                                                        تعريفات ( قوله : بالأطهر ) بضم الهاء أي مشددة و بتشديد الطاء أيضا ، وهو مصدر اطهر من باب التفعيل أصله تطهر قلبت التاء طاء ثم أدغمت ثم جيء بهمزة الوصل للنطق بالساكن ( قوله : واسم البدن يقع على الظاهر والباطن إلخ ) نقل الشيخ علاء الدين الحصكفي عن المغرب وغيره أن البدن من المنكب إلى الألية قال وحينئذ فالرأس والعنق واليد والرجل خارجة لغة داخلة تبعا شرعا . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : من غير معارض ) متعلق بقوله شملهما الثاني

                                                                                        ( قوله : كأنه يعني ما عن أبي هريرة إلخ ) الظاهر أن فاعل يعني ضمير يعود إلى الحامل المفهوم من المصدر في قوله فلا حاجة إلى حمل المروي والمعنى كأن الحامل قصد بالحديث الذي استدل به ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه تأمل ( قوله : والصحيح أنها ليست بشرط ) الأولى تذكير الضميرين ; لأنهما يعودان على المج ( قوله : فكان الاحتياط الخروج عن الجناية ; لأن الاحتياط إلخ ) أقول : شنع عليه العلامة المقدسي فيما نقل عنه بما لا ينبغي ذكره وكذا أخو الشارح في النهر فقال أنى يكون هذا وجها لكون المج أحوط ولا أرى هذا إلا من طغيان القلم بل الوجه هو أن الماج خارج عن العهدة بيقين بخلاف غيره ، وهذا هو معنى الاحتياط ا هـ .

                                                                                        قلت : وهذا مبني على ما في بعض النسخ من سقوط قوله وقد يقال إن الأحوط الخروج بعد قوله كذا في الخلاصة ، وأما على ما في عامة النسخ من وجود ذلك فلا يرد ذلك فيكون قوله ووجه كونه أحوط أي كون الخروج بدون المج أحوط توجيها لقوله وقد يقال إلخ لا لكلام الخلاصة ويكون ذلك من العمل بأقوى الدليلين ; لأن الصحيح أن المج ليس بشرط وتصحيحه لقوة دليله وحينئذ فلا ملام على الشارح ولا غبار ، وأما قول صاحب المنح قلت [ ص: 49 ] بل الظاهر الأول ; لأنه إذا لم يمج خرج عن الجنابة على قول ولم يخرج على آخر بخلاف ما إذا مجه ، فإنه يخرج عنهما اتفاقا إلخ فهو غير موافق لما ذكره الشارح من معنى الاحتياط على الصحيح بل هو مبني على ما قاله صاحب النهر من أنه الخروج عن العهدة بيقين كما هو مبنى كلام الخلاصة فافهم

                                                                                        ( قوله : ويحل للجنب شرب الماء قبل المضمضة على وجه السنة إلخ ) ليتأمل في وجه الفرق بين ما إذا كان شربه على وجه السنة وبين عدمه ، فإنه لم يظهر لنا إذ في كل منهما سقط الفرض ( قوله : وقيل انتقاص البول إلخ ) الظاهر أن المراد به أنه إذا غسل مذاكيره بالماء البارد ينتقص البول أي يسرع في استنقائه كما قالوا في الهدي أنه لا يحلبه بل ينضح ضرعه بالنقاخ أي الماء البارد لينقطع جريانه تأمل [ ص: 50 ] ( قوله : والاستحداد إلخ ) ليس فيما ذكره من الحديث ذكر الاستحداد بل الذي مر هو الحلق ( قوله : بفتح الباء والجيم ) عطف على فتح والأولى ما في بعض النسخ وبالجيم بإعادة الباء الجارة ( قوله : ولا يخفى ما فيه إلخ ) يمكن أن يقال إن مراده بالسنة الطريقة ، وهي ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                        ( قوله : وأما قوله في فتح القدير إن فعل إلخ ) أقول : هذا الكلام في هذا المقام خارج عن الانتظام من خمسة وجوه ولولا ضرورة بيانه لكان الأولى لمثلي حفظ لسانه فأقول .

                                                                                        أما الوجه الأول : فلأن ادعاء المحقق أن اطهر من باب فعل ليس كما قال بل هو من باب التفعل كما تقدم في كلام الشارح عن غاية البيان وحينئذ فلا يترتب عليه ما ذكره بعد وكأن الشارح لم يبين ذلك اعتمادا على ما قدمه ولعل المحقق الكمال تفطن لهذا فأضرب فيما وجد بخطه عنه واقتصر على قوله ; لأن صيغة التفعل للمبالغة كما ذكره في النهر .

                                                                                        وأما الثاني : فلأن قول الشارح إن صيغة اطهروا يجوز أن تكون من قبيل التكثير في المفعول فممنوع أما أولا ; فلأن اطهروا أمر من تطهر القوم كما علمت ، وهو لازم ، وأما ثانيا ; فلأنا ، وإن قلنا إن ما ذكره هنا إنما هو على سبيل التنزل مع الكمال من أنه أمر من طهر فلا مفعول فيه أيضا فلا يكون من التكثير في المفعول وأما ثالثا ; فلأنا ، وإن تنزلنا وقلنا كما قال بعضهم على ما فيه من أن صيغة الجمع في حكم قضايا متعددة وادعينا بناء على ذلك أن معنى اطهروا ليطهر كل واحد منكم بدنه فيكون فيه مفعول في المعنى فنقول لا يكون من التكثير في المفعول أيضا ; لأن بدن كل أحد واحد لا تعدد فيه فيكون من التكثير في الفعل كما قال الكمال

                                                                                        وأما الثالث ; فلأن قوله وقوله إن التكثير في المفعول يستدعي كثرة المفعول مسلم فيما إذا كان الفعل لا تكثير فيه غير صحيح لما قال العلامة شيخ الإسلام زكريا في شرح الشافية إن التكثير في الفاعل أو المفعول يستلزم التكثير في الفعل ولا عكس ا هـ .

                                                                                        وقوله كموت الإبل غير صحيح أيضا من وجهين :

                                                                                        الأول : أن فيه تكثير الفعل لما علمت الثاني أنه من التكثير في الفاعل لا المفعول كما هو ظاهر كلامه ، وأما الرابع ; فلأن قوله أما إذا كان في الفعل تكثير إلخ صحيح ، وأما قوله ، وإن كان [ ص: 51 ] الفاعل والمفعول واحدا فغير صحيح إذ كيف يكون التكثير في المفعول والمفعول واحد بل لا يصح ذلك التركيب إلا أن يستقيم فيه تكثير الفعل كما كتبه بيده في آخر كلام الجاربردي عن شرح المفصل فيكون من التكثير في الفعل لا المفعول ; ولذا قال المحقق الرضي : في شرح الشافية تقول ذبحت الشاة ولا تقول ذبحتها وأغلقت الباب مرة ولا تقول لا غلقته بل تقول ذبحت الغنم وغلقت الأبواب ا هـ .

                                                                                        ولعل مراده أن قطعت الثوب فيه تكثير المفعول باعتبار أن كل قطعة بمنزلة مفعول ولكن لا يخفى بعده مع أنه لا يسمى مفعولا اصطلاحيا على أنه لا يجد به نفعا في مدعاه ; لأن طهرت البدن ليس نظيره بل مثل ذبحت الشاة وقد علمت امتناع صيغة التفعل فيه مع أن الشارح كتبه بيده

                                                                                        فإن قيل لا نسلم أن طهرت البدن ليس نظير قطعت الثوب على المعنى الذي حملت كلامه عليه ; لأن كل عضو طهر بمنزلة مفعول مستقل فهو نظيره قلت ليس كذلك لما سيأتي في كلام الشارح أن المصحح عدم تجزي الطهارة فلا يوصف العضو بالطهارة قبل تمامها ، وأما الخامس فلأن ما استشهد به من كلام المحقق الجاربردي على ما ادعاه من أنه للتكثير في المفعول ليس فيه شيء يشهد له بل فيه ما يشهد عليه كما لا يخفى ، فإن قوله وينبغي أن يعلم أن هذا بخلاف قولك قطعت الثوب ، فإنه سائغ معناه أنه سائغ ; لأنه يصح أن يكون من التكثير في الفعل ، فإنه لا ينافيه كون المفعول فيه واحدا ، وهو الثوب ولهذا نقل بعده تأويل عبارة المفصل ، فإن ظاهرها لا يجوز الإتيان بصيغة التفعل في هذا المثال فحملها ابن الحاجب على أن مراده بعدم الجواز إذا لم يستقم فيه تكثير الفعل مثل ذبحت الشاة لا إذا استقام مثل قطعت الثوب وقد ذكر ذلك العلامة الجاربردي توطئة لرد ما نقله بعد ذلك عن بعض شراح الشافية من أن المراد بالتكثير في المفعول أنه لا يستعمل غلقت بالتضعيف إلا إذا كان المفعول جمعا حتى لو كان واحدا وغلق مرات كثيرة لم يستعمل إلا غلق بلا تضعيف إلا على سبيل المجاز ا هـ .

                                                                                        قال الجاربردي ، وهذا يخالف ظاهر ما ذكره المصنف في شرح المفصل ا هـ .

                                                                                        ووجه المخالفة ظاهر ، فإن مقتضاه أن لا يكون من التكثير في الفعل أيضا ثم إن ما نقله الشارح عن الجاربردي من قوله ، وإن كان الفاعل واحدا يغلب على ظني أنه سبق قلم وأن الصواب وإن كان المفعول واحدا تأمل وبما تلونا عليك علمت عدم استقامة هذا الكلام في هذا المقام ولا بدع ، فإنه لا عصمة إلا للأنبياء والملائكة الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام .




                                                                                        الخدمات العلمية