الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 221 ] قالوا حديث يبطله القياس .

        27 - الاجتهاد في القضاء .

        قالوا : رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر عمرو بن العاص أن يقضي بين قوم ، وأن عمرا قال له أقضي يا رسول الله وأنت حاضر ؟ فقال له : اقض بينهم فإن أصبت فلك عشر حسنات وإن أخطأت فلك حسنة واحدة قالوا : وهذا الحكم لا يجوز على الله تبارك وتعالى ، وذلك أن الاجتهاد الذي يوافق الصواب من عمرو هو الاجتهاد الذي يوافق الخطأ ، وليس عليه أن يصيب إنما عليه أن يجتهد وليس يناله في موافقة الصواب من العمل والقصد والعناية واحتمال المشقة إلا ما يناله مثله في موافقته الخطأ ، فبأي معنى يعطى في أحد الاجتهادين حسنة وفي الآخر عشرا .

        قال أبو محمد : ونحن نقول إن الاجتهاد مع موافقة الصواب ، ليس كالاجتهاد مع موافقة الخطأ . ولو كان هذا على ما أسس كاناليهود والنصارى والمجوس [ ص: 222 ] والمسلمون سواء وأهل الآراء المختلفة سواء إذا اجتهدوا وآراءهم وأنفسهم فأرتهم عقولهم أنهم على الحق وأن مخالفيهم على الخطأ قال أبو محمد : ولكنا نقول إن من وراء اجتهاد كل امرئ توفيق الله تعالى وفي هذا كلام يطول وليس هذا موضعه .

        ولو أن رجلا وجه رسولين في بغاء ضالة له وأمرهما بالاجتهاد والجد في طلبها ، ووعدهم الثواب إن وجداها فمضى أحدهما خمسين فرسخا في طلبها وأتعب نفسه وأسهر ليله ورجع خائبا ، ومضى الآخر فرسخا وادعا ورجع واجدا ، ألم يكن أحقهما بأجزل العطية وأعلى الحباء الواجد ؟ وإن كان الآخر قد احتمل من المشقة والعناء أكثر مما احتمله الآخر ؟ فكيف بهما إذا استويا ؟ وقد يستوي الناس في الأعمال ويفضل الله - عز وجل - من يشاء ، فإنه لا دين لأحد عليه ولا حق له قبله . قال أبو محمد : وقرأت في الإنجيل أن المسيح - عليه السلام - قال للحواريين : " مثل ملكوت السماء مثل رجل خرج غلسا يستأجر عمالا لكرمه فشرط لكل عامل دينارا في اليوم ، ثم أرسلهم إلى كرمه ثم خرج في ثلاث ساعات ، فرأى قوما بطالين في السوق ، فقال اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فإني سوف أعطيكم الذي ينبغي لكم ، فانطلقوا ثم خرج في ست ساعات وفي تسع ساعات وفي إحدى عشر ساعة ، ففعل مثل ذلك فلما أمسى [ ص: 223 ] قال لأمينه : أعط العمال أجورهم ثم ابدأ بآخرهم حتى تبلغ أولهم فأعطاهم فسوى بينهم في العطية ، فلما أخذوا حقوقهم سخطوا على رب الكرم ، وقالوا : إنما عمل هؤلاء ساعة واحدة فجعلتهم أسوتنا في الأجرة ، فقال إني لم أظلمكم ، أعطيتكم الشرط وجدت لهؤلاء ، والمال مالي أصنع به ما أشاء . كذلك يكون الأولون الآخرين والآخرون الأولين .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية