الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    43 - ( فصل )

                    الطريق الثاني الإنكار المجرد ، وله صور : إحداها : إذا ادعى رجل دينا على ميت ، أو أنه أوصى له بشيء ، وللميت وصي بقضاء دينه ، وتنفيذ وصاياه ، فأنكر . فإن كان للمدعي بينة حكم بها . ، وإن لم تكن له بينة ، وأراد تحليف الوصي على نفي العلم لم يكن له ذلك . لأن مقصود التحليف : أن يقضى عليه بالنكول إذا امتنع من اليمين .

                    والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية ، ولو نكل لم يقض عليه ، فلا فائدة من تحليفه ، ولو كان وارثا استحلف ، وقضي بنكوله .

                    ومنها : أن يدعي على القاضي أنه ظلمه في الحكم ، أو على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط ، أو ادعى عليه ما يسقط شهادته لم يحلفا ، لارتفاع منصبهما عن التحليف .

                    ومنها : دعوى الرجل على المرأة النكاح ، ودعواها عليه الطلاق ، ودعوى كل منهما الرجعة ، ودعوى الأمة أن سيدها أولدها ، ودعوى المرأة أن زوجها آلى منها ، ودعوى الرق والولاء والقود وحد القذف .

                    وعن أحمد : أنه يستحلف في الطلاق والإيلاء والقود والقذف . وعنه : أنه يستحلف إلا فيما لا يقضى فيه بالنكول .

                    وقال في رواية ابن القاسم : لا أرى اليمين في النكاح ، ولا في الطلاق ، ولا في الحدود ; لأنه إن نكل لم أقتله ولم أحده ، ولم أدفع المرأة إليه .

                    [ ص: 97 ] وظاهر ما نقله الخرقي ، أنه يستحلف فيما عدا القود والنكاح ، وعنه ما يدل على أنه يستحلف في الكل . وإذا امتنع عن اليمين - حيث قلنا يستحلف - قضينا بالنكول في الجميع ، إلا في القود في النفس خاصة . وعنه لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة .

                    وكل ناكل لا يقضى عليه فهل يخلى أو يحبس حتى يقر ، أو يحلف ؟ على وجهين : ولا يستحلف في العبادات ولا في الحدود .

                    فإذا قلنا : استحلف في هذه الأشياء لم يقض فيها بالنكول على ظاهر كلام أحمد وتعليله ، وإذا استحلفناه ، فإن قضينا عليه بالنكول في كل موضع ، لتكون لليمين فائدة ، حتى في قود الأطراف . ولا يقضى بقود النفس ، وإن استحلفناه ، لأن النكول وإن جرى مجرى الإقرار فليس بإقرار صحيح صريح فلا يراق به الدم بمجرده ، ولا مع يمين المدعي إلا في القسامة للوث .

                    وإذا قلنا : يستحلف ولا يقضى بالنكول في غير الأموال : كان فائدة الاستحلاف حبسه إذا أبى الحلف في أحد الوجهين .

                    وفي الآخر : يخلى سبيله ، لأنه لا يقضى عليه بالنكول ، ولم يثبت عليه ما يعاقب عليه بالضرب والحبس حتى يفعله . فإنه يحتمل أن يكون المدعي محقا ، وأن يكون مبطلا .

                    فكيف يعاقب المدعى عليه بمجرد دعواه وطلب يمينه ؟ وتكون فائدة اليمين على هذا : انقطاع الخصومة والمطالبة .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية