الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] ( باب ) في شروط الحوالة وأحكامها وهي نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ بها الأولى ( شرط ) صحة ( الحوالة رضا المحيل والمحال فقط ) لا المحال عليه على المشهور ولا يشترط حضوره وإقراره على أحد القولين المرجحين والثاني يشترط ( وثبوت دين ) للمحيل في ذمة المحال عليه وكذا للمحال على المحيل وإلا كانت وكالة لا حوالة وإذا لم يكن دين في الصورة الأولى [ ص: 326 ] كانت حمالة إن رضي المحال عليه لا حوالة وإن وقعت بلفظ الحوالة واحترز بقوله ( لازم ) عن دين صبي وسفيه ورقيق بغير إذن ولي وسيد فلا تصح الإحالة عليهم به ومثل ذلك ثمن سلعة مبيعة بالخيار قبل لزومه ( فإن أعلمه ) أي أعلم المحيل المحال ( بعدمه ) أي الدين بأن قال للمحال لا دين لي عند المحال عليه وكذا إن علم من غيره كما في المدونة ( وشرط ) المحيل ( البراءة ) من الدين الذي عليه ورضي المحال ( صح ) التحول ولا رجوع له على المحيل ; لأنه ترك حقه حيث رضي بالتحول ( وهل ) محل عدم الرجوع على المحيل ( إلا أن يفلس أو يموت ) المحال عليه فيرجع المحال على المحيل أو لا يرجع مطلقا مع شرط البراءة وإلا رجع ( تأويلان ) والمذهب الإطلاق

التالي السابق


( باب الحوالة ) باب الحوالة . ( قوله : شرط صحة الحوالة ) هي مأخوذة من التحول والأكثر على أنها رخصة مستثناة من بيع الدين بالدين كما قاله عياض ا هـ بن .

( قوله : بمثله ) متعلق بنقل وكذا قوله إلى أخرى أي نقل الدين من ذمة لأخرى بسبب وجود مثله في الأخرى .

( قوله : تبرأ بها ) الأولى تبرأ به أي بالنقل ولعله أنث الضمير نظرا للمعنى لأن النقل المذكور حوالة .

( قوله : لا المحال عليه ) أي فلا يشترط رضاه على المشهور بل هي صحيحة رضي أو لم يرض إلا إذا كان بينه وبين المحال عداوة سابقة على وقت الحوالة فلا تصح الحوالة حينئذ على المشهور وهو قول مالك فإن حدثت العداوة بعد الحوالة منع المحال من اقتضاء الدين من المحال عليه ووكل من يقتضيه منه لئلا يبالغ في إيذائه بعنف مطالبته .

( قوله على أحد القولين المرجحين ) فيه نظر بل الراجح اشتراط الحضور وأما عدم اشتراطه فقد انفرد بتشهيره ابن سلمون وهو متعقب بما نقله ح من اقتصار الشيوخ على اشتراطه ا هـ بن لكن في البدر القرافي خلافه من ترجيح عدم الاشتراط والحاصل أن الموثقين من الأندلس اختلفوا هل يشترط في صحة الحوالة حضوره وإقراره بما عليه من الدين أو لا يشترط ذلك وكل من القولين قد رجح كما علمت والقول الأول مبني على أن الحوالة من قبيل بيع الدين فيشترط فيها شروطه غاية الأمر أنه رخص فيها في جواز بيعه بدين آخر .

والقول الثاني مبني على أنها أصل مستقل بنفسه فلا يسلك بها مسلك بيع الدين من اشتراط الحضور والإقرار .

( قوله : والثاني يشترط ) إنما اشترط حضوره على هذا القول وإقراره وإن كان رضاه لا يعتبر لاحتمال أن يبدي مطعنا في البينة إذا حضر أو يثبت براءته من الدين ببينة على الدفع أو على إقراره به .

( قوله : وثبوت دين ) قال ابن عاشر المراد بثبوت الدين وجوده لا خصوص الثبوت العرفي ببينة أو إقرار وحينئذ فيكفي في ثبوته تصديق المحال بثبوته كما يأتي آخر الباب .

( قوله : وكذا للمحال على المحيل ) أي وكذا يشترط ثبوت دين للمحال على المحيل ( قوله وكالة ) أي للمحال بتخليص الحق من المحال عليه .

( قوله : وإذا لم يكن دين في الصورة الأولى ) الأولى وإذا لم يكن دين للمحيل على [ ص: 326 ] المحال عليه .

( قوله : كانت حمالة ) أي وعليه لو أعدم المحال عليه لرجع المحال على المحيل إلا أن يعلم المحال أنه لا شيء للمحيل على المحال عليه ويشترط براءته من الدين فلا رجوع له على المحيل ولو فلس المحال عليه وإن كان ذلك حمالة لأنه قد ترك حقه حيث رضي بالتحول على هذا الوجه ( قوله واحترز بقوله لازم عن دين إلخ ) قال بن فيه نظر لأن هذا خارج بشرط ثبوت الدين لأنه لا دين هنا تأمل وفيه أن الدين من حيث هو ثابت ثم النظر لولي الصغير والسفيه إن رآهما صرفاه فيما لهما غنى عنه رده وإلا ضمنا بقدر ما صانا به مالهما فصح ثبوت الدين في الجملة قبل تبين شيء لكنه غير مجزوم بلزومه فلا تصح الحوالة إذ ذاك وأما العبد فثبوت دينه ظاهر وإنما يسقطه إسقاط السيد بدليل أنه لو عتق قبل الإسقاط لزمه فصح ما قاله الشارح .

( قوله : فلا تصح الإحالة عليهم ) أي لعدم لزوم ذلك الدين لأن لولي الصغير والسفيه وسيد الرقيق طرح الدين عنهم وإسقاطه .

( قوله : ثمن سلعة مبيعة بالخيار ) أي وكذا دين الكتابة فإنه غير لازم لأن المكاتب إذا عجز عنه لا يتبع به فلا يصح أن يحيل السيد أجنبيا على المكاتب كما في التوضيح عن التونسي .

( قوله فإن أعلمه بعدمه وشرط البراءة صح التحول ) ظاهره صحة التحول وإن لم يرض المحال عليه وهو كذلك لكن إن رضي المحال عليه لزمه وإلا فلا ا هـ بن وفهم من قوله وشرط البراءة أن له الرجوع إن لم يشترطها ولا بد في صحة التحول حينئذ من رضا المحال عليه لأنها حمالة ولا يطالب إلا في حال عدم الغريم أو غيبته بخلاف ما إذا شرط البراءة فلا يشترط رضا المحال عليه لأن المحال رضي بإسقاط دينه ا هـ خش .

( قوله : وكذا إن علم إلخ ) أي وكذا إن علم المحال بأنه لا دين للمحيل على المحال عليه من غير المحيل كما في المدونة وظاهرها الإطلاق أي سواء علم المحيل بعلمه بذلك حين الحوالة أو لم يعلم به .

( قوله : ورضي المحال ) حال من الضمير في قول المصنف وإن أعلمه .

( قوله : وهل محل إلخ ) يعني أن المحيل إذا أعلم المحال بعدم الدين على المحال عليه وشرط البراءة وأنه لا رجوع للمحال بعد ذلك عليه صح التحول وهل لا رجوع له بعد ذلك عليه مطلقا سواء فلس المحال عليه أو مات أولا وهو ظاهر قول ابن القاسم ورواية أشهب عن مالك من رجوع المحال على المحيل في هذه الصورة إذا فلس المحال عليه أو مات خلاف لا تقييد وعليه تأولها ابن رشد وسحنون أو محل ذلك ما لم يفلس المحال عليه أو يمت وإلا فللمحتال أن يرجع على المحيل بدينه وحينئذ فراوية أشهب تقييد وعلى هذا تأولها ابن المواز ا هـ قال خش ولو رضي المحال عليه بالحوالة ودفع فالظاهر أنه لا رجوع له على المحيل به لأنه متبرع وفي عبق عن الشيخ أحمد الزرقاني ينبغي أن يكون له الرجوع لأن اشتراط البراءة إنما هو بالنسبة للمحال ولأن رضاه بالدفع صيره بمنزلة الحميل وهو يرجع إذا غرم .

وقال شيخنا العدوي الذي ينبغي أنه إن قامت قرينة على تبرع المحال عليه فلا رجوع له بما دفعه وإلا كان له الرجوع




الخدمات العلمية