الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( القاعدة الثالثة والثمانون ) : إذا انتقل الملك عن النخلة بعقد أو فسخ يتبع فيه الزيادة المتصلة دون المنفصلة أو بانتقال استحقاق فإن كان فيه طلع مؤبر لم يتبعه في الانتقال وإن كان غير مؤبر تبعه كذا قال القاضي في كتاب التفليس من المجرد وقال سواء كان الانتقال بعوض اختياري كالبيع والصلح والنكاح والخلع أو بعوض ونوو كالأخذ بالشفعة ورجوع البائع في عين ماله بالفلس وبيع الرهن بعد أن أطلع بغير اختيار الراهن والرجوع في الهبة بشرط الثواب أو كان الانتقال بغير عوض سواء كان الانتقال اختياريا كالهبة والصدقة أو غير اختياري كالرجوع في الهبة للأب ، وهو ظاهر كلامه في بيع الأصول والثمار أيضا لأنه جعل الكل كالبيع سواء وصرح بذلك صاحب الكافي في العقود والفسوخ وأما ابن عقيل فإنه أطلق في الفسخ بالإفلاس والرجوع في الهبة أن الطلع يتبع الأصل ولم يفصل وعلل بأن الفسخ رفع للعقد من أصله وصرح صاحب المغني في البيع بأن الفسخ يتبع الطلع فيه أصله سواء أبر أو لم يؤبر لأنه نماء متصل فأشبه السمن وصرح بدخول الإقالة والفسخ بالعيب في ذلك وهو موافق لكلام الأصحاب في الصداق وقد قدمنا أن صاحب المغني ذكر احتمالا في الفسخ بالفلس ونحوه أنه لا يتبع فيه الطلع سواء أبر أو لم يؤبر لتميزه وإمكان إفراده بالعقد فهو كالمنفصل بخلاف السمن ونحوه ، وهذا عكس ما ذكره في البيع وهو مع ذلك موافق لإطلاق كثير من الأصحاب أن الثمرة لا ترد مع الأصل بالعيب من غير تفصيل وكذا في الفلس فتحرر من هذا أن العقود كالبيع والصلح والصداق وعوض الخلع والأجرة والهبة والرهن يفرق فيها بين حالة التأبير وعدمه .

ونص عليه أحمد في الرهن في رواية محمد بن الحكم إلا أن في الأخذ في الشفعة وجها آخر سبق ذكره أنه يقع فيه المؤبر إذا كان في حال البيع غير مؤبر ولأن الأخذ يستند إلى البيع إذ هو سبب الاستحقاق وأما الفسوخ ففيها ثلاثة أوجه : أحدها أن الطلع يتبع فيها مع التأبير وعدمه بناء على أن الطلع زيادة متصلة بكل حال أو على أن الفسخ رفع العقد من أصله .

والثاني : لا يتبع [ ص: 175 ] بحال بناء على أنه زيادة منفصلة وإن لم يؤبر : والثالث إن كان مؤبرا تبع وإلا فلا كالعقود هذا كله على القول بأن النماء المنفصل لا يتبع في الفسوخ ، أما إن قيل بتبعيته فلا إشكال في أن الطلع يتبع سواء أبر أو لم يؤبر وكذلك إن قيل إن الفسوخ لا يتبع فيها الزيادة المتصلة فإن الطلع لا يتبع فيها بكل حال ، وأما الوصية والوقف فالمنصوص عن أحمد أنه يدخل فيهما الثمرة لاستشمام يوم الوصية إذا بقيت إلى يوم الموت من غير تفريق بين أن يؤبر أو لا يؤبر نقله عنه أبو بكر بن صدقة في الرجل يوصي بالكرم أو البستان لرجل ثم يموت وفي الكرم حمل فهو للموصى له وقال في رواية محمد بن موسى وسئل عن الرجل يوصي البستان أو الكرم لرجل ثم يموت وفي الكرم أو البستان حمل لمن الحمل ؟ قال إن كان يوم أوصى به له فيه حمل فهو له وأطلق بأنه يدخل في الوصية ولم يفصل وقد توجه بأن الوصية عقد تبرع لا يستدعي عوضا فدخل فيها كل متصل بخلاف عقود المعاوضات وعلى هذا فالهبة المطلقة كذلك وهو خلاف ما ذكره الأصحاب وكذلك الوقف المنجز وأولى ويحتمل أن يختص ذلك بما فيه معنى القربة من الوقف والصدقة والوصية ، وأما اعتبار وجوده يوم الوصية مع أن الملك يتراخى إلى ما بعد الموت فلأن العقد إذا انعقد كان سببا لنقل الملك وإنما تأخر تأثيره إلى حين الموت فإذا وجد الموت استند الملك إلى حال الإيصاء ولهذا لو وصى له بأمة حامل ثم مات الموصى له قبل الوضع فالولد للموصى له بغير خلاف ، وسواء قلنا إن للحمل حكما وإنه كالمنفصل أم لا . وأما إن تجدد مستحق من أهل الوقف وفي النخل طلع فههنا حالتان : إحداهما أن يكون استحقاقه من غير انتقال من غيره .

والمنصوص عن أحمد أنه إن حدث استحقاقه بعد التأبير لم يستحق من الثمر شيئا وإن كان قبله استحق .

قال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل أوقف نخلا على ولد قوم وولده ما توالدوا ثم ولد مولود قال إن كان النخل أبر فليس له في ذلك شيء وهو ملك الأول وإن لم يكن أبر فهو معهم وكذلك الزرع إذا بلغ الحصاد فليس له شيء وإن كان لم يبلغ الحصاد فله فيه ، وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين المؤبر وغيره ههنا منهم ابن أبي موسى والقاضي وأصحابه معللين بتبعية غير المؤبر في العقد فكذا في الاستحقاق وعلل بعض الأصحاب بأن غير المؤبر في حكم المعدوم لاستتاره وكمونه والمؤبر في حكم سراويل لبروزه وظهوره .

الحالة الثانية : أن يخرج بعض أهل الاستحقاق لموت أو غيره وينتقل نصيبه إلى غيره قال يعقوب بن بختان سئل أحمد عن رجل مات فقال ضيعتي التي بالثغر لموالي الذين بالثغر وضيعتي التي ببغداد لموالي الذين ببغداد وأولادهم فلمن بالثغر أن يأخذوا من هذه الضيعة التي ههنا ؟ قال لا ، قد أفرد هذه من هذه [ ص: 176 ] فقيل له فقدم بعض من بالثغر إلى هنا وخرج من هنا بعضهم إلى ثم وقد أبرت النخل ألهم فيها شيء ؟ قال لا فقيل فإن ولد لأحدهم ولد بعد ما أبرت فقال وهذا أيضا شبيه بهذا كأنه رأى ما كان قبل التأبير جائز أو كما قال وهذا موافق لنصه السابق في أن تجدد المستحق للوقف بعد التأبير لا يقتضي استحقاقه منه وأما خروج الخارج من البلد فلم يشمله جوابه وانقطاع حق المستحق بموته أو زوال صفة الاستحقاق شبيه بانفساخ العقد المزيل للملك قهرا وقد سبق الخلاف فيه لا سيما على قولنا إن الوقف ملك للموقوف عليه فيصير موته كانفساخ ملكه في الأصل فيخرج في تبعية الطلع الخلاف السابق فإن قيل بالتفريق بين ما قبل التأبير وبعده فلأن الطلع إذا لم يؤبر في حكم الحمل في البطن واللبن في الضرع فلا يكون له حكم بملك ولا غيره حتى يظهر وإن سلم أن له حكما بالملك فالمستحق الحادث . لما شارك في غير المؤبر مع ظهوره على ملك الأول دل على أن ملكهم لم يستقر عليه بخلاف المؤبر فإن ملكهم استقر عليه فمن زال استحقاقه قبل استقرار الملك سقط حقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية