الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الديات

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وللمقتول ورثة صغار وكبار فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول : للكبار أن يقتلوا صاحبهم إن شاءوا وكان ابن أبي ليلى يقول : ليس لهم أن يقتلوا حتى يكبر الأصاغر وبه يأخذ حدثنا أبو يوسف عن رجل عن أبي جعفر أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم بعلي وقال أبو يوسف وكان لعلي رضي الله عنه أولاد صغار .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وله ورثة صغار وكبار أو كبار غيب فليس لأحد منهم أن يقتل حتى تبلغ الصغار وتحضر الغيب ويجتمع من له سهم في ميراثه من زوجة أو أم أو جدة على القتل فإذا اجتمعوا كان لهم أن يقتلوا فإذا لم يجتمعوا لم يكن لهم أن يقتلوا وإذا كان هذا هكذا فلأيهم شاء من البالغين الحضور أن يأخذ حصته من الدية من مال الجاني بقدر ميراثه من المقتول وإذا فعل كان لأولياء الغيب وعلى أولياء الصغار أن يأخذوا لهم حصصهم من الدية لأن القتل قد حال وصار مالا فلا يكون لولي الصغير أن يدعه وقد أمكنه أخذه فإن قال قائل : كيف ذهبت إلى هذا دون غيره من الأقاويل وقد قال بعض أهل العلم : أي ولاة الدم قام به قتل وإن عفا الآخرون فأنزله بمنزلة الحد وقال غيره من أهل العلم : يقتل البالغون ولا ينتظرون الصغار وقال غيره : يقتل الولد ولا ينتظرون الزوجة ؟ قيل : ذهبنا إليه أنه السنة التي لا ينبغي أن تخالف أو في مثل معنى السنة والقياس على الإجماع .

فإن قال : فأين السنة فيه ؟ قيل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا أخذوا القصاص وإن أحبوا فالدية } فلما كان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لولاة الدم أن يقتلوا ولهم أن يأخذوا المال وكان إجماع المسلمين أن الدية موروثة لم يحل لوارث أن يمنع الميراث من ورث معه حتى يكون الوارث يمنع نفسه من الميراث وهذا معنى القرآن في قول الله عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وهذا مكتوب في كتاب الديات ووجدنا ما خالفه من الأقاويل لا حجة فيه لما وصفت من السنة بخلافهم ووجدت مع ذلك قولهم متناقضا إذ زعموا أنهم امتنعوا من أن يأخذوا الدية من القاتل لأنه إنما عليه دم لا مال فلو زعموا أن واحدا من الورثة لو عفا حال الدم مالا ما لزموا قولهم ولقد نقضوه فأما الذين قالوا هو كالحد يقوم به أي الورثة شاء وإن عفا غيره فقد خالفوا بينه وبين الحد من أجل أنهم يزعمون أن للورثةالعفو عن القتل ويزعمون أنه لا عفو لهم عن الحد ويزعمون أنهم لو اصطلحوا في القتل على الدية جاز ذلك ويزعمون أنهم لو [ ص: 157 ] اصطلحوا على مال في الحد لم يجز .

التالي السابق


الخدمات العلمية