الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  سورة الممتحنة

                                                                                                                                                                  بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                  قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . . . ) الآية : [ 1 ] .

                                                                                                                                                                  [ ص: 218 ] 811 - قال جماعة من المفسرين : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ؛ وذلك أن : سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجهز لفتح مكة ، فقال لها : " أمسلمة جئت ؟ " قالت : لا قال : " فما جاء بك ؟ " قالت : أنتم [ كنتم ] الأهل والعشيرة والموالي ، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني . قال لها : " فأين أنت من شباب أهل مكة " - وكانت مغنية - قالت : ما طلب مني شيء ؟ بعد وقعة بدر ، فحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب على إعطائها فكسوها وحملوها وأعطوها ، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل [ الكتاب ] إلى أهل مكة ، وكتب في الكتاب : من حاطب إلى أهل مكة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدكم فخذوا حذركم ، فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما فعل حاطب ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا ، وعمارا ، والزبير ، وطلحة ، والمقداد بن الأسود ، وأبا مرثد - وكانوا كلهم فرسانا - وقال لهم : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها وخلوا سبيلها ، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها " ، فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان ، فقالوا لها : أين الكتاب ؟ فحلفت بالله ما معها [ من ] كتاب ، ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا ، فهموا بالرجوع ، فقال علي : والله ما كذبنا ، ولا كذبنا ، وسل سيفه ، وقال : أخرجي الكتاب وإلا والله لأجردنك ولأضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها وكانت قد خبأته في شعرها ، فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب فأتاه ، فقال له : " هل تعرف الكتاب ؟ " قال : نعم قال : " فما حملك على ما صنعت ؟ " فقال : يا رسول الله ، والله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته ، وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم ، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه [ وأن ] كتابي لا يغني عنهم شيئا . فصدقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعذره . فنزلت هذه السورة : (ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) فقام عمر بن الخطاب فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .

                                                                                                                                                                  812 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمرو ، وأخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، حدثنا الشافعي ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد [ بن علي ] ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، قال : سمعت عليا يقول : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير ، [ والمقداد بن الأسود ] قال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب . [ فخرجنا تعادي بنا خيلنا ، فإذا نحن بظعينة ، فقلنا أخرجي الكتاب . فقالت : ما معي [ ص: 219 ] كتاب ] . فقلنا لها : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن [ كان ] بمكة ، يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما هذا يا حاطب ؟ " فقال : لا تعجل علي ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من نفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ، ولم يكن لي بمكة قرابة ، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا ، والله ما فعلته شاكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه قد صدق " . فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . فقال : " إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ، ونزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآية . رواه البخاري عن الحميدي ، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وجماعة ، كلهم عن سفيان .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية