الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 589 ] سورة الإنسان

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      آ. (1) قوله: هل أتى : في "هل" هذه وجهان، أحدهما: أنها على بابها من الاستفهام المحض، أي: هو ممن يسأل عنه لغرابته: أأتى عليه حين من الدهر لم يكن كذا، فإنه يكون الجواب: أتى عليه ذلك، وهو بالحال المذكورة، كذا قاله الشيخ ، وهو مدخول كما ستعرفه قريبا. وقال مكي في تقرير كونها على بابها من الاستفهام: "والأحسن أن تكون على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير، وإنما هو تقرير لمن أنكر البعث، فلا بد أن يقول: نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه. فيقال له: من أحدثه بعد أن لم يكن وكونه بعد عدمه، كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته؟ وهو معنى قوله: ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ، أي: فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئا - بعد أن لم يكن - قادر على إعادته بعد موته وعدمه". انتهى. فقد جعلها لاستفهام التقرير لا للاستفهام المحض، وهذا هو الذي يجب أن يكون; لأن الاستفهام لا يرد من الباري تعالى إلا على هذا النحو [ ص: 590 ] وما أشبهه. والثاني: أنها بمعنى "قد". قال الزمخشري : "هل" بمعنى "قد" في الاستفهام خاصة. والأصل: أهل بدليل قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4430- سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم



                                                                                                                                                                                                                                      فالمعنى: أقد أتى، على التقرير والتقريب جميعا، أي: أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر لم يكن فيه شيئا مذكورا، أي: كان شيئا منسيا غير مذكور. انتهى. فقوله: "على التقرير" يعني المفهوم من الاستفهام، وهو الذي فهم مكي من نفس "هل". وقوله: "والتقريب" يعني المفهوم من "قد" التي وقع موقعها "هل". ومعنى قوله: "في الاستفهام خاصة" أن "هل" لا تكون بمعنى "قد" إلا ومعها استفهام لفظا كالبيت المتقدم، أو تقديرا كالآية الكريمة. فلو قلت: "هل جاء زيد"، تعني: قد جاء، من غير استفهام لم يجز، وغيره جعلها بمعنى "قد" من غير هذا القيد. وبعضهم لا يجيزه البتة، ويتأول البيت: على أن مما جمع فيه بين حرفي معنى للتأكيد، وحسن ذلك اختلاف لفظهما كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      4331- فأصبحن لا يسألنني عن بما به      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 591 ] فالباء بمعنى "عن"، وهي مؤكدة لها، وإذا كانوا قد أكدوا مع اتفاق اللفظ كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4432- فلا والله لا يلفى لما بي     ولا للما بهم أبدا دواء



                                                                                                                                                                                                                                      فلأن يؤكدوا مع اختلافه أحرى. ولم يذكر الزمخشري غير كونها بمعنى "قد"، وبقي على الزمخشري قيد آخر: وهو أن يقول: في الجمل الفعلية; لأنه متى دخلت "هل" على جملة اسمية استحال كونها بمعنى "قد" لأن "قد" مختصة بالأفعال. وعندي أن هذا لا يرد; لأنه تقرر أن "قد" لا تباشر الأسماء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لم يكن في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها في موضع نصب على الحال من "الإنسان"، أي: هل أتى عليه حين في هذه الحالة. والثاني: أنها في موضع رفع نعتا لـ "حين" بعد نعت. وعلى هذا فالعائد تقديره: حين لم يكن فيه شيئا مذكورا، والأول أظهر لفظا ومعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية