الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 363 ] سورة الزمر .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ( 1 ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ( 2 ) ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( تنزيل الكتاب ) : هو مبتدأ ، و " من الله " : الخبر .

ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هذا تنزيل . و ( من ) : متعلقة بالمصدر ، أو حال من الكتاب . و ( الدين ) : منصوب بمخلص ، ومخلصا : حال .

وأجاز الفراء : ( له الدين ) بالرفع على أنه مستأنف .

( والذين اتخذوا ) : مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ أي يقولون ما نعبدهم .

و ( زلفى ) : مصدر ، أو حال مؤكدة .

قال تعالى : ( خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار ( 5 ) خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( يكور ) : حال أو مستأنف ، و " يخلقكم " : مستأنف ، و " خلقا " : مصدر منه ؛ و " في " يتعلق به ، أو بخلق الثاني ؛ لأن الأول مؤكد فلا يعمل .

و ( ربكم ) : نعت أو بدل ، وأما الخبر فالله . و ( له الملك ) : خبر ثان ، أو مستأنف . ويجوز أن يكون " الله " بدلا من ذلك ، والخبر له الملك . و ( لا إله إلا هو ) : مستأنف ، أو خبر آخر .

[ ص: 364 ] و ( يرضه لكم ) : بضم الهاء واختلاسها وإسكانها ، وقد ذكر مثله في : ( يؤده إليك ) [ آل عمران : 75 ] .

قال تعالى : ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور ( 7 ) وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ( 8 ) ) .

و ( منيبا ) : حال . و " منه " : يتعلق بخول ، أو صفة لنعمة .

قال تعالى : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ( 9 ) قل ياعبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( من هو قانت ) : يقرأ بالتشديد ، والأصل أم من ، فأم للاستفهام منقطعة ؛ أي بل أم من هو قانت .

وقيل : هي متصلة ، تقديره : أم من يعصي ، أم من هو مطيع مستويان ؛ وحذف الخبر لدلالة قوله تعالى : " هل يستوي الذين " .

ويقرأ بالتخفيف ، وفيه الاستفهام ؛ والمعادل والخبر محذوفان . وقيل : هي همزة النداء .

و ( ساجدا وقائما ) : حالان من الضمير في " قانت " أو من الضمير في " يحذر " .

و ( بغير حساب ) : حال من الأجر ؛ أي موفرا ، أو من الصابرين ؛ أي غير محاسبين .

قال تعالى : ( قل الله أعبد مخلصا له ديني ( 14 ) ) .

( قل الله ) : هو منصوب بـ " أعبد " .

[ ص: 365 ] قال تعالى : ( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون ( 16 ) والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( ظلل ) : هو مبتدأ ، و " لهم " الخبر .

و ( من فوقهم ) : يجوز أن يكون العامل فيه الجار ، وأن يكون حالا من " ظلل " والتقدير : ظلل كائنة من فوقهم .

و ( من النار ) : نعت لظلل .

و ( الطاغوت ) : مؤنث ، وعلى ذلك جاء الضمير هنا .

قال تعالى : ( أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( 19 ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( أفمن ) : مبتدأ ، والخبر محذوف ، تقديره : كمن نجا .

و ( وعد ) : مصدر دل على العامل فيه قوله : " لهم غرف " ؛ لأنه كقولك : وعدهم .

قال تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( ثم يجعله ) : الجمهور على الرفع .

وقرئ شاذا بالنصب ، ووجهه أن يضمر معه " أن " والمعطوف عليه " أن الله أنزل " في أول الآية ، تقديره : ألم تر إنزال الله ، أو إلى إنزاله ثم جعله .

ويجوز أن يكون منصوبا بتقدير : ترى جعله حطاما .

قال تعالى : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( أفمن شرح الله ) و ( أفمن يتقي بوجهه ) [ الزمر : 24 ] الحكم فيهما كالحكم في قوله تعالى : ( أفمن حق عليه ) [ الزمر : 19 ] . وقد ذكر .

قال تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( كتابا ) : هو بدل من " أحسن " و " تقشعر " : نعت ثالث .

التالي السابق


الخدمات العلمية