الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4525 (59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

                                                                                              [ 2384 ] عن جرير قال : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا ضحك .

                                                                                              وفي رواية : إلا تبسم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل ، فضرب بيده في صدري وقال : اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا .


                                                                                              رواه البخاري (4356)، ومسلم (2475) (134 و 135).

                                                                                              [ 2385 ] وعنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جرير ، ألا تريحني من ذي الخلصة؟ - بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية ، وفي رواية : الكعبة الشامية . قال : فنفرت في خمسين ومائة فارس، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب يده في صدري فقال : اللهم ثبته ، واجعله هاديا مهديا . قال : فانطلق فحرقها بالنار، ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى أبا أرطاة - منا - فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب ! فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات .

                                                                                              وفي أخرى : قال : فدعا لنا ولأحمس.

                                                                                              رواه مسلم (2476) (137).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (59) ومن باب فضائل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

                                                                                              وبجيلة من ولد أنمار بن نزار بن معد بن عدنان ، واختلف في بجيلة هل هو أب أو أم نسبت القبيلة إليها ؟ وجرير هذا هو سيد بجيلة ، ويكنى أبا عمرو ، وقال له عمر رضي الله عنه : " ما زلت سيدا في الجاهلية والإسلام " ، وقال فيه [ ص: 403 ] رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين أقبل وافدا : " يطلع عليكم خير ذي يمن ، كأن على وجهه مسحة ملك " ، فطلع جرير . وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول فيه : " جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة " ، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " .

                                                                                              أسلم قبل موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأربعين يوما ، نزل جرير الكوفة بعد موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتخذ بها دارا ، ثم تحول إلى قرقيسيا ومات بها سنة أربع وخمسين ، وقيل : سنة إحدى وخمسين ، وقيل : مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية . روى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مائة حديث ، أخرج له في الصحيحين خمسة عشر حديثا .

                                                                                              و (قوله : " ما حجبني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ أسلمت ") يعني أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان يحتجب منه ، بل بنفس ما يعلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باستئذانه ترك كل ما يكون فيه وأذن له مبادرا لذلك مبالغة في إكرامه ، ولا يفهم من هذا أن جريرا كان يدخل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيته من غير إذن ، فإن ذلك لا يصح لحرمة بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما يقضي ذلك إليه من الاطلاع على ما لا يجوز من عورات البيوت .

                                                                                              و (قوله : " ولا رآني إلا ضحك في وجهي ") ، هذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرح به وبشاشة للقائه وإعجاب برؤيته ، فإنه كان من كملة الرجال خلقا وخلقا .

                                                                                              و (قوله : " وكنت لا أثبت على الخيل ") يعني أنه كان يسقط أو يخاف [ ص: 404 ] السقوط من على ظهورها حالة إجرائها ، فدعا له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأكثر مما طلب ؛ بالثبوت مطلقا وبأن يجعله هاديا لغيره ومهديا في نفسه . فكان كل ذلك ، وظهر عليه جميع ما دعا له به ، وأول ذلك أنه نفر في خمسين ومائة فارس لذي الخلصة فحرقها وعمل فيها عملا لا يعمله خمسة آلاف ، وبعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذي الكلاع وذي رعين ، وله المقامات المشهورة .

                                                                                              وذو الخلصة بفتح اللام : بيت بنته خثعم تعظمه وتطوف به وتنحر عنده ، تشبهه ببيت مكة ، وتسميه العرب الكعبة اليمانية والشامية ، وقد كانت العرب فعلت مثل هذا بيوتا كثيرة قد تقدم [ ص: 405 ] ذكرها ، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهدمها كلها وتحريقها فكان ذلك ، ومحا الله الباطل ، وأحق الحق بكلماته .




                                                                                              الخدمات العلمية