الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع وقال الحكم إذا أذن له قبل البيع فلا شفعة له وقال الشعبي من بيعت شفعته وهو شاهد لا يغيرها فلا شفعة له

                                                                                                                                                                                                        2139 حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد قال وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمس مائة دينار ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمس مائة دينار فأعطاها إياه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع ) أي : هل تبطل بذلك شفعته أم لا؟ وسيأتي في كتاب ترك الحيل مزيد بيان لذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحكم : إذا أذن له قبل البيع فلا شفعة له . وقال الشعبي من بيعت شفعته وهو شاهد [ ص: 511 ] لا يغيرها فلا شفعة له ) أما قول الحكم فوصله ابن أبي شيبة بلفظ : " إذا أذن المشتري في الشراء فلا شفعة له " وأما قول الشعبي فوصله ابن أبي شيبة أيضا بنحوه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عمرو بن الشريد ) في رواية سفيان الآتية في ترك الحيل عن إبراهيم بن ميسرة " سمعت عمرو بن الشريد " والشريد بفتح المعجمة وزن طويل صحابي شهير ، وولده من أوساط التابعين ، ووهم من ذكره في الصحابة ، وما له في البخاري سوى هذا الحديث . وقد أخرج الترمذي معلقا والنسائي وابن ماجه هذا الحديث من وجه آخر عنه عن أبيه ولم يذكر القصة ، فيحتمل أن يكون سمعه من أبيه ومن أبي رافع ، قال الترمذي : سمعت محمدا يعني : البخاري يقول : كلا الحديثين عندي صحيح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي ) أي : رواية سفيان المذكورة مخالفة لهذا يأتي بيانها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابتع مني بيتي في دارك ) أي : الكائنين في دارك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال المسور : والله لتبتاعنهما ) بين سفيان في روايته أن أبا رافع سأل المسور أن يساعده على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أربعة آلاف ) في رواية سفيان " أربعمائة " وفي رواية الثوري في ترك الحيل " أربعمائة مثقال " وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( منجمة أو مقطعة ) شك من الراوي ، والمراد مؤجلة على أقساط معلومة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الجار أحق بسقبه ) بفتح المهملة والقاف بعدها موحدة ، والسقب بالسين المهملة وبالصاد أيضا ويجوز فتح القاف وإسكانها : القرب والملاصقة . ووقع في حديث جابر عند الترمذي : " الجار أحق بسقبه ينتظر به إذا كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا " قال ابن بطال : استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار ، وأوله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ولذلك دعاه إلى الشراء منه ، قال : وأما قولهم إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا فمردود ، فإن كل شيء قارب شيئا قيل له : جار ، وقد قالوا لامرأة الرجل : جارة ؛ لما بينهما من المخالطة ، انتهى . وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد ، وذكر عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه . ثم ساق حديث الباب ، فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا . وقال بعض الحنفية : يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار ؛ لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك . وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد ، وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع ، فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك ، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا ؛ لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك ، والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الطريق . ثم الجار على من ليس بمجاور ، فعلى هذا فيتعين تأويل قوله : " أحق " بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك ، واحتج من لم [ ص: 512 ] يقل بشفعة الجوار أيضا بأن الشفعة ثبتت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار وهو أن الشريك ربما دخل عليه شريكه فتأذى به فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقص قيمة ملكه ، وهذا لا يوجد في المقسوم . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية