الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 200 ] باب الواو مع الطاء ( وطأ ) ( ه ) فيه " زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول : إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون ، وإنكم لمن ريحان الله ، وإن آخر وطأة وطئها الله بوج " أي تحملون على البخل والجبن والجهل . يعني الأولاد ، فإن الأب يبخل بإنفاق ماله ليخلفه لهم ، ويجبن عن القتال ليعيش لهم فيربيهم ، ويجهل لأجلهم فيلاعبهم .

                                                          وريحان الله : رزقه وعطاؤه .

                                                          ووج : من الطائف .

                                                          والوطء في الأصل : الدوس بالقدم ، فسمي به الغزو والقتل ; لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه وإهانته . والمعنى أن آخر أخذة ووقعة أوقعها الله بالكفار كانت بوج ، وكانت غزوة الطائف آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يغز بعدها إلا غزوة تبوك ، ولم يكن فيها قتال .

                                                          ووجه تعلق هذا القول بما قبله من ذكر الأولاد أنه إشارة إلى تقليل ما بقي من عمره ، فكنى عنه بذلك .

                                                          ( ه ) ومنه حديثه الآخر اللهم اشدد وطأتك على مضر أي خذهم أخذا شديدا .

                                                          * ومنه قول الشاعر :

                                                          ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد نابت الهرم

                                                          وكان حماد بن سلمة يرويه " اللهم اشدد وطدتك على مضر " والوطد : الإثبات والغمز في الأرض .

                                                          ( ه ) وفيه " أنه قال للخراص : احتاطوا لأهل الأموال في النائبة والواطئة " والواطئة : المارة والسابلة ، سموا بذلك لوطئهم الطريق . يقول : استظهروا لهم [ ص: 201 ] في الخرص ، لما ينوبهم وينزل بهم من الضيفان .

                                                          وقيل : الواطئة : سقاطة التمر تقع فتوطأ بالأقدام ، فهي فاعلة بمعنى مفعولة .

                                                          وقيل : هي من الوطايا ، جمع وطيئة ، وهي تجري مجرى العرية ، سميت بذلك لأن صاحبها وطأها لأهله : أي ذللها ومهدها ، فهي لا تدخل في الخرص .

                                                          * ومنه حديث القدر " وآثار موطوءة " أي مسلوك عليها بما سبق به القدر ، من خير أو شر .

                                                          ( ه ) ومنه الحديث ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ؟ أحاسنكم أخلاقا ، الموطأون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون هذا مثل ، وحقيقته من التوطئة ، وهي التمهيد والتذليل . وفراش وطيء : لا يؤذي جنب النائم . والأكناف : الجوانب . أراد الذين جوانبهم وطيئة ، يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى .

                                                          ( ه ) وفيه " أن رعاء الإبل ورعاء الغنم تفاخروا عنده ، فأوطأهم رعاء الإبل غلبة " أي غلبوهم وقهروهم بالحجة . وأصله أن من صارعته أو قاتلته فصرعته أو أثبته فقد وطئته وأوطأته غيرك . والمعنى أنه جعلهم يوطأون قهرا وغلبة .

                                                          * وفي حديث علي ، لما خرج مهاجرا بعد النبي صلى الله عليه وسلم " فجعلت أتبع مآخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطأ ذكره حتى انتهيت إلى العرج " أراد : إني كنت أغطي خبره من أول خروجي إلى أن بلغت العرج ، وهو موضع بين مكة والمدينة . فكنى عن التغطية والإيهام بالوطء ، الذي هو أبلغ في الإخفاء والستر .

                                                          ( س ) وفي حديث النساء ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه أي لا يأذن لأحد من الرجال الأجانب أن يدخل عليهن ، فيتحدث إليهن . وكان ذلك من عادة العرب ، لا يعدونه ريبة ، ولا يرون به بأسا ، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك .

                                                          ( ه ) وفي حديث عمار " أن رجلا وشى به إلى عمر فقال : اللهم إن كان كذب فاجعله [ ص: 202 ] موطأ العقب " أي كثير الأتباع . دعا عليه بأن يكون سلطانا أو مقدما أو ذا مال ، فيتبعه الناس ويمشون وراءه .

                                                          ( ه ) وفيه إن جبريل صلى بي العشاء حين غاب الشفق ، واتطأ العشاء هو افتعل ، من وطأته . يقال : وطأت الشيء فاتطأ : أي هيأته فتهيأ . أراد أن الظلام كمل وواطأ بعضه بعضا : أي وافق .

                                                          وفي الفائق : " حين غاب الشفق وأتطى العشاء " قال : وهو من قول بني قيس : " لم يأتط الجداد . ومعناه : لم يأت حينه . وقد ائتطى يأتطي ، كائتلى يأتلي " ، بمعنى الموافقة والمساعفة .

                                                          قال : " وفيه وجه آخر : أنه افتعل من الأطيط ; لأن العتمة وقت حلب الإبل ، وهي حينئذ تئط ، أي تحن إلى أولادها ، فجعل الفعل للعشاء وهو لها اتساعا " .

                                                          * وفي حديث ليلة القدر أرى رؤياكم قد تواطت في العشر الأواخر هكذا روي بترك الهمز ، وهو من المواطأة : الموافقة . وحقيقته كأن كلا منهما وطئ ما وطئه الآخر .

                                                          ( س ) وفي حديث عبد الله " لا نتوضأ من موطإ " أي ما يوطأ من الأذى في الطريق . أراد لا نعيد الوضوء منه ، لا أنهم كانوا لا يغسلونه .

                                                          ( ه ) وفيه " فأخرج إلينا ثلاث أكل من وطيئة " الوطيئة : الغرارة يكون فيها الكعك والقديد وغيره .

                                                          [ ص: 203 ] * وفي حديث عبد الله بن بسر " أتيناه بوطيئة " هي طعام يتخذ من التمر كالحيس . ويروى بالباء الموحدة ، وقيل : هو تصحيف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية