الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام

                                                                                                          2134 حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا أبي عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة قال فقال آدم وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه أتلومني على عمل عملته كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض قال فحج آدم موسى قال أبو عيسى وفي الباب عن عمر وجندب وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سليمان التيمي عن الأعمش وقد روى بعض أصحاب الأعمش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال بعضهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ) البصري ثقة من العاشرة ( أخبرنا أبي ) أي سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري ، نزل في التيم فنسب إليهم ، ثقة عابد .

                                                                                                          قوله : ( احتج آدم وموسى ) أي تحاجا ، وفي حديث عمر عند أبي داود قال : قال موسى يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة ، فأراه الله آدم ، فقال أنت أبونا ، الحديث ، قيل هذا ظاهره أنه وقع في الدنيا ، قال الحافظ فيه نظر فليس قول البخاري عند الله صريحا في أن ذلك يقع يوم القيامة ، فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان ، فمحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين ، وقد وردت العندية في القيامة بقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم : أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني انتهى ، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب تحاج آدم وموسى عند الله تعالى ، قال الحافظ الذي ظهر لي أن البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طريق الحديث وهو ما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ : احتج آدم وموسى عند ربهما الحديث .

                                                                                                          ( فقال موسى ) جملة مبينة لمعنى ما قبلها ( يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ) قال القاري : أي بقدرته ، قلت لا حاجة إلى هذا التأويل بل هو محمول على ظاهره ، وقد [ ص: 282 ] تقدم ما يتعلق بهذا في مواضع عديدة ، قال وخصه بالذكر إكراما وتشريفا ، وأنه خلقه إبداعا من غير واسطة أب وأم ( ونفخ فيك من روحه ) الإضافة للتشريف والتخصيص ، أي من الروح الذي هو مخلوق ولا يد لأحد فيه ( أغويت الناس ) قال الحافظ : معنى أغويت كنت سببا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد ، إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة ، ولو لم يقع الإخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الإغواء ، والغي ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة ، ويطلق أيضا على مجرد الخطأ يقال غوى أي أخطأ صواب ما أمر به .

                                                                                                          ( وأخرجتهم من الجنة ) أي خطيئتك التي صدرت منك ( فقال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ) أي اختارك بتكليمه إياك ( كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض ) أي قدره وقضاه قبل خلق السماوات والأرض ، وفي رواية البخاري : قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ، قال الحافظ : والجمع بينه ـ يعني الرواية التي ليست مقيدة بأربعين سنة ـ وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الأخرى على ما يتعلق بالعلم وقال ابن التين : يحتمل أن يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة إلى نفخ الروح في آدم ، وأجاب غيره أن ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح وآخرها ابتداء خلق آدم .

                                                                                                          ( فحج آدم موسى ) برفع آدم على أنه الفاعل أي غلبه بالحجة ، يقال حاججت فلانا فحججته ، مثل خاصمته فخصمته ، قال ابن عبد البر : هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر وأن الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله ، فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله ، فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها ، وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت ، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل كذا في شرح مسلم للنووي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمر وجندب ) أما حديث عمر فأخرجه أبو داود وأبو عوانة ، وأما حديث جندب فأخرجه النسائي .

                                                                                                          [ ص: 283 ] قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية