الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية التعليق

                                                                                                          2072 حدثنا محمد بن مدويه حدثنا عبيد الله بن موسى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عيسى أخيه قال دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا ألا تعلق شيئا قال الموت أقرب من ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم من تعلق شيئا وكل إليه قال أبو عيسى وحديث عبد الله بن عكيم إنما نعرفه من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن عكيم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ليلى نحوه بمعناه قال أبو عيسى وفي الباب عن عقبة بن عامر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عبيد الله ) هو ابن موسى العبسي مولاهم الكوفي ( عن ابن أبي ليلى ) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أخو عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ( عن عيسى وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى ) الأنصاري الكوفي ثقة من السادسة ، روى عن أبيه وعبد الله بن حكيم وغيرهما وعنه أخوه محمد وغيره كذا في التقريب وتهذيب التهذيب ( على عبد الله بن عكيم ) بالتصغير ( أبي معبد الجهني ) الكوفي ، مخضرم من الثانية ، وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة مات في إمرة الحجاج ، كذا في التقريب ( وبه ) أي بعبد الله والباء للإلصاق ( حمرة ) أي مما يعلو الوجه والجسد ، قاله القاري ، وقال في القاموس : الحمرة ورم من جنس الطواعين ( ألا تعلق شيئا ) بحذف إحدى التاءين أي ألا تتعلق شيئا ، قال في القاموس : علقه تعليقا جعله معلقا لتعلقه انتهى ، وفي المشكاة : ألا تعلق تميمة ( قال الموت أقرب من ذلك ) ، وفي المشكاة فقال : نعوذ بالله من ذلك ، قال القاري : وسببه أنه نوع من الشرك ، وقال الطيبي : ولعله إنما عاذ بالله من تعليق [ ص: 200 ] العوذة لأنه كان من المتوكلين وإن جاز لغيره انتهى .

                                                                                                          ( من تعلق شيئا ) أي من علق على نفسه شيئا من التعاويذ والتمائم وأشباهها معتقدا أنها تجلب إليه نفعا أو تدفع عنه ضرا، قاله في النهاية ( وكل إليه ) بضم واو وتخفيف كاف مكسورة أي خلي إلى ذلك الشيء وترك بينه وبينه ، والحديث استدل به من قال بكراهية تعليق التمائم ، وقد اختلف في ذلك أهل العلم .

                                                                                                          قال السيد الشيخ أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي في كتابه الدين الخالص : اختلف العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في جواز تعليق التمائم التي من القرآن ، وأسماء الله تعالى وصفاته ، فقالت طائفة : يجوز ذلك ، وهو قول ابن عمرو بن العاص ، وهو ظاهر ما روي عن عائشة ، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية ، وحملوا الحديث يعني حديث ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الرقى والتمائم والتولة شرك رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح ، وأقره الذهبي على التمائم التي فيها شرك ، وقالت طائفة : لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم ، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه ، وجزم به المتأخرون واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه ، قال بعض العلماء : وهذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل ، الأول عموم النهي ولا مخصص للعموم ، الثاني : سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق من ليس كذلك ، الثالث أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك ، قال وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف يتبين لك بذلك غربة الإسلام ، خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذها المساجد ، والإقبال إليها بالقلب والوجه ، وصرف الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه ، كما قال تعالى : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ، ونظائرها في القرآن أكثر من أن تحصر انتهى .

                                                                                                          قلت : غربة الإسلام شيء وحكم المسألة شيء آخر ، والوجه الثالث المتقدم لمنع التعليق ضعيف جدا لأنه لا مانع من نزع التمائم عند قضاء الحاجة ونحوها لساعة ثم يعلقها ، والراجح في الباب أن ترك التعليق أفضل في كل حال بالنسبة إلى التعليق الذي جوزه بعض أهل العلم بناء على أن يكون بما ثبت لا بما لم يثبت لأن التقوى لها مراتب وكذا في الإخلاص ، وفوق كل رتبة في الدين رتبة أخرى والمحصلون لها أقل ، ولهذا ورد في الحديث في حق السبعين ألفا يدخلون الجنة [ ص: 201 ] بغير حساب أنهم هم الذين لا يرقون ولا يسترقون مع أن الرقى جائزة وردت بها الأخبار والآثار والله أعلم بالصواب ، والمتقي من يترك ما ليس به بأس خوفا مما فيه بأس ، انتهى كلامه بلفظه .

                                                                                                          قوله : ( وحديث عبد الله بن عكيم إنما نعرفه من حديث ابن أبي ليلى ) ، وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ، قوله : ( وفي الباب عن عقبة بن عامر ) أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ، قال في مجمع الزوائد : رجالهم ثقات .




                                                                                                          الخدمات العلمية