الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثاني في أنواع الضحايا وصفاتها وأسنانها وعددها

وفي هذا الباب أربع مسائل مشهورة :

إحداها : في تمييز الجنس .

والثانية : في تمييز الصفات .

والثالثة : في معرفة السن .

والرابعة : في العدد .

المسألة الأولى

[ في تمييز الجنس ]

أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام ، واختلفوا في الأفضل من ذلك ، فذهب مالك إلى أن الأفضل في الضحايا الكباش ، ثم البقر ، ثم الإبل ، بعكس الأمر عنده في الهدايا . وقد قيل عنه : الإبل ، ثم البقر ، ثم الكباش ، وذهب الشافعي إلى عكس ما ذهب إليه مالك في الضحايا : الإبل ، ثم البقر ، ثم الكباش ، وبه قال أشهب ، وابن شعبان .

وسبب اختلافهم : معارضة القياس لدليل الفعل ، وذلك أنه لم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه ضحى إلا بكبش ، فكان ذلك دليلا على أن الكباش في الضحايا أفضل ، وذلك فيما ذكر بعض الناس . وفي البخاري عن ابن عمر ما يدل على خلاف ذلك ، وهو أنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى " .

وأما القياس : فلأن الضحايا قربة بحيوان ، فوجب أن يكون الأفضل فيها الأفضل في الهدايا ، وقد احتج الشافعي لمذهبه بعموم قوله عليه الصلاة والسلام : " من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا " الحديث ، فكان الواجب حمل هذا على جميع القرب بالحيوان ، وأما مالك فحمله على الهدايا فقط ، لئلا يعارض الفعل القول وهو الأولى .

[ ص: 354 ] وقد يمكن أن يكون لاختلافهم سبب آخر وهو : هل الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم سنة باقية إلى اليوم ، وإنها الأضحية ، وإن ذلك معنى قوله : ( وتركنا عليه في الآخرين ) . فمن ذهب إلى هذا قال : الكباش أفضل ، ومن رأى أن ذلك ليست سنة باقية لم يكن عنده دليل على أن الكباش أفضل . مع أنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بالأمرين جميعا ، وإذا كان ذلك كذلك فالواجب المصير إلى قول الشافعي .

وكلهم مجمعون على أنه لا تجوز الضحية بغير بهيمة الأنعام إلا ما حكي عن الحسن بن صالح أنه قال : تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة ، والظبي عن واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية