الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في معالي الأخلاق

                                                                                                          2018 حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش البغدادي حدثنا حبان بن هلال حدثنا مبارك بن فضالة حدثني عبد ربه بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وروى بعضهم هذا الحديث عن المبارك بن فضالة عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن عبد ربه بن سعيد وهذا أصح والثرثار هو الكثير الكلام والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في معالي الأخلاق ) جمع المعلاة قال في القاموس : المعلاة كسب الشرف ، وقال في الصراح : علاء بالفتح والمد بلندي در قدر ونزلت على بالضم والقصر معلاة بالفتح كذلك والجمع المعالي .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش البغدادي ) أبو جعفر ، صدوق من الحادية عشرة ( حدثنا حبان بن هلال ) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة أبو حبيب البصري ثقة ثبت من التاسعة ( حدثنا مبارك بن فضالة ) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة أبو فضالة البصري صدوق يدلس ويسوي من السادسة ( حدثني عبد ربه بن سعيد ) بن قيس الأنصاري أخو يحيى المدني ثقة من الخامسة .

                                                                                                          قوله : ( إن من أحبكم إلي ) أي في الدنيا ( أحاسنكم أخلاقا ) نصبه على التمييز وجمعه لإرادة الأنواع أو لمقابلة الجمع بالجمع ( وإن من أبغضكم إلي ) أي في الدنيا ( وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون ) وفي حديث أبي ثعلبة الخشني عند البيهقي : وأبعدكم مني مساويكم أخلاقا الثرثارون الحديث ، قال القاري : ويروى أساويكم جمع أسوء كأحاسن جمع أحسن وهو مطابق لما في أصل المصابيح وقال القاضي أفعل التفضيل إذا أضيف على معنى أن المراد به زائد على المضاف إليهم في الخصلة التي هو وهم مشتركون فيها ، جاز الإفراد والتذكير في الحالات كلها ، وتطابقه لما هو وصف له لفظا ومعنى ، وقد جمع الوجهان في الحديث فأفرد أحب وبغض وجمع أحاسن وأساوئ [ ص: 136 ] في رواية من روى أساويكم بدل مساويكم ، وهو جمع مسوئ كمحاسن في جمع محسن ، وهو إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع أو اسم مكان بمعنى : الأمر الذي فيه السوء ، فأطلق على المنعوت به مجازا ، وقال الدارقطني : أراد بأبغضكم بغيضكم وبأحبكم التفضيل فلا يكون المخاطبون بأجمعهم مشتركين في البغض والمحبة ، وقال الحاجبي تقديره أحب المحبوبين منكم وأبغض المبغوضين منكم ويجوز إطلاق العام وإرادة الخاص للقرينة ، قال الطيبي : إذا جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين فكما لا يجوز أبغضكم لا يجوز بغيضكم لاشتراكهم في المحبة ، فالقول ما ذهب إليه ابن الحاجب ; لأن الخطاب عام يدخل فيه البر والفاجر والموافق والمنافق ، فإذا أريد به المنافق الحقيقي فالكلام ظاهر ، وإذا أريد به غير الحقيقي كما سبق في باب علامات النفاق فمستقيم أيضا ، كما يدل عليه قوله الثرثارون ، وفي النهاية الثرثارون هم الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق ، والثرثرة كثرة الكلام وترديده .

                                                                                                          ( والمتشدقون ) قال في النهاية : المتشدقون هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز ، وقيل أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم انتهى ، والشدق جانب الفم ( والمتفيهقون ) هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم ، مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع ، كذا في النهاية .

                                                                                                          قيل وهذا من الكبر والرعونة ، وقال المنذري في الترغيب : الثرثار بثائين مثلثتين مفتوحتين هو الكثير الكلام تكلفا ، والمتشدق هو المتكلم بملء شدقه تفاصحا وتعظيما لكلامه ، والمتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء ، وهو بمعنى المتشدق لأنه الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه إظهارا لفصاحته وفضله واستعلاء على غيره ، ولهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالمتكبر انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط عنه مرفوعا : إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ، وإن أبغضكم إلي المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الملتمسون للبرءاء العيب ، كذا في الترغيب ، قوله : ( هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ) وأخرجه أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه عن أبي ثعلبة الخشني كذا في الترغيب .

                                                                                                          [ ص: 137 ] قوله : ( والمتشدق هو الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم ) كذا فسره الترمذي وتفسيره المشهور هو ما ذكره المنذري وصاحب النهاية ، ( وهذا أصح ) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة مبارك بن فضالة : روى عن ابن المنكدر وعبد ربه بن سعيد وغيرهما انتهى ، فالظاهر أن مبارك بن فضالة روى هذا الحديث أولا عن ابن المنكدر بواسطة عبد ربه بن سعيد ، ثم لقيه فرواه عنه بغير واسطة .




                                                                                                          الخدمات العلمية