الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4117 (17) باب: لا يورد ممرض على مصح

                                                                                              [ 2162 ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى. ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يورد ممرض على مصح.

                                                                                              قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: "لا عدوى" وأقام على أن "لا يورد ممرض على مصح" فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر؟

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 434) والبخاري (5771) ومسلم (2221) (104) وأبو داود (3911) وابن ماجه (3541). [ ص: 624 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 624 ] (17) ومن باب: لا يورد ممرض على مصح

                                                                                              الورود هو الوصول إلى الماء، و"أورد إبله" إذا أوصلها إليه، فصاحب الإبل مورد، والإبل موردة، وممرض: اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض - قاله يعقوب. ومصح: اسم فاعل من أصح; إذا أصابت ماشيته عاهة ثم صحت - قاله الجوهري . وقد جمع أبو هريرة - رضي الله عنه - في هذه الرواية بين قوله صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى " وبين قوله: " لا يورد ممرض على مصح " وهو جمع صحيح لا بعد فيه; إذ كلاهما خبر عن المشروعية لا خبر عن الوجود، فقوله: " لا عدوى " أي: لا يجوز اعتقادها.

                                                                                              وقوله: " لا يورد ممرض على مصح " أي لا يفعل ذلك، فهما خبران يتضمنان النهي عن ذلك، وإنما نهى عن إيراد الممرض على المصح مخافة الوقوع فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد ذلك أو مخافة تشويش النفوس وتأثير الأوهام، وهذا كنحو أمره صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم، فإنا وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي فإنا نجد من أنفسنا نفرة وكراهية لذلك، حتى إذا أكره الإنسان نفسه على القرب منه وعلى مجالسته تألمت نفسه، وربما تأذت بذلك ومرضت، ويحتاج الإنسان في هذا إلى مجاهدة شديدة ومكابدة. ومع ذلك فالطبع أغلب، [ ص: 625 ] وإذا كان الأمر بهذه المثابة فالأولى بالإنسان ألا يقرب شيئا يحتاج الإنسان فيه إلى هذه المكابدة ولا يتعرض فيه إلى هذا الخطر، والمتعرض لهذا الألم زاعما أنه يجاهد نفسه حتى يزيل عنها تلك الكراهة هو بمنزلة من أدخل على نفسه مرضا إرادة علاجه حتى يزيله.

                                                                                              ولا شك في نقص عقل من كان على هذا، وإنما الذي يليق بالعقلاء ويناسب تصرف الفضلاء أن يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام، ويجتهد في مجانبة ذلك بكل ممكن مع علمه بأنه لا ينجي حذر عن قدر، وبمجموع الأمرين وردت الشرائع وتوافقت على ذلك العقول والطبائع.

                                                                                              وأما سكوت أبي هريرة عن قوله: " لا عدوى " وإيراد الحديث من غير " لا يورد ممرض على مصح " بعد أن حدث بمجموعهما فلا يصح أن يكون من باب النسخ كما قدره أبو سلمة بن عبد الرحمن ; لأنهما لا تعارض بينهما؛ إذ الجمع صحيح كما قدمناه، بل الواجب أن يقال: إنهما خبران شرعيان عن أمرين مختلفين لا متعارضين; كخبر يتضمن حكما من أحكام الصلاة وآخر يتضمن حكما من أحكام الطهارة مثلا. وقد بينا وجه تباين الخبرين، وعلى هذا فسكوت أبي هريرة يحتمل أوجها:

                                                                                              [ ص: 626 ] أحدها: النسيان المتقدم، كما قال أبو سلمة .

                                                                                              وثانيها: أنهما لما كانا خبرين متغايرين لا ملازمة بينهما جاز للمحدث أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة الحالية.

                                                                                              وثالثها: أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين، فسكت عن أحدهما، حتى إذا أمن من ذلك حدث بهما جميعا.

                                                                                              ورابعها: أن يكون حمله على ذلك وجه غير ما ذكرناه لم يطلع عليه أحدا.

                                                                                              وعلى الجملة: فكل ذلك محتمل، غير أن الذي يقطع بنفيه النسخ على ما قررناه، والله أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية