الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 182 ] كتاب السلم ويقال له السلف ، سمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديمه .

                                                                                                                            والأصل فيه قبل الإجماع إلا ما شذ به ابن المسيب آية الدين فسرها ابن عباس بالسلم وخبر الصحيحين { من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } كالشفق أو الفجر أو وسط السنة وبالقياس على الثمن ، فكما جاز أن يكون حالا ومؤجلا فكذلك المثمن ، ولأن فيه رفقا فإن أرباب الضياع قد يحتاجون لما ينفقونه على مصالحها فيستسلفون على الغلة ، وأرباب النقود ينتفعون بالرخص فجوز لذلك وإن كان فيه غرر كالإجارة على المنافع المعدومة . ومعنى الخبر : من أسلم في مكيل فليكن معلوما ، أو موزون فليكن معلوما ، أو إلى أجل فليكن معلوما لا أنه حصره في الكيل والوزن والأجل ( هو ) شرعا ( بيع ) شيء ( موصوف في الذمة ) بلفظ السلم كما سيعلم من كلامه [ ص: 183 ] ولهذا قال الشارح هذه خاصته المتفق عليها ، قيل ليس لنا عقد يختص بصيغة واحدة إلا هذا والنكاح وعرف بغير ذلك مما هو غير مانع ، ويؤخذ من كون السلم بيعا أنه لا يصح إسلام الكافر في الرقيق المسلم ، وهو الأصح كما في المجموع ، وإن صحح الماوردي صحته وتبعه السبكي ، ومثل الرقيق المسلم المرتد كما مر في باب البيع .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 182 ] كتاب السلم أي كتاب بيان حقيقته وأحكامه ( قوله : ويقال له السلف ) أي لغة ، وهذه الصيغة تشعر بأن السلم هو الكثير المتعارف وأن هذه اللغة قليلة ( قوله : سمي ) أي هذا العقد ( قوله : لتسليم رأس المال ) أي لاشتراط تسليم ذلك في المجلس لصحة العقد ( قوله : لتقديمه ) أي لتقديم عقده على استيفاء المسلم فيه غالبا ، ومن غير الغالب ما لو كان حالا أو عجله المسلم إليه ودفعه حالا في مجلس العقد ( قوله : إلا ما شذ ) انظر الذي شذ به هل هو عدم جواز السلم أو أن جوازه معتبر على وجه مخالف لما عليه الأئمة ، فيه نظر ، والظاهر الأول فليراجع ( قوله : وخبر الصحيحين ) عبارة حج : والخبر الصحيح { من أسلف فليسلف في كيل معلوم } إلخ ، ومثله في شرح الروض فلعلهما روايتان ، وعبارة شرح المنهج وخبر الصحيحين { من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم } إلخ ( قوله : ووزن معلوم ) الواو بمعنى أو ، إذ لا يجوز الجمع بين الكيل والوزن ، وسيأتي ما يصرح به في قوله ومعنى الخبر إلخ ( قوله : إلى أجل معلوم ) هذا آخر الحديث ( قوله : كالشفق ) أي الذي يلي وقت العقد وكذا يقال في الفجر أخذا مما يأتي فيما لو قال إلى العيد أو جمادى والمراد تكامل طلوعيهما .

                                                                                                                            ( قوله : أو وسط السنة ) ويحمل على آخر جزء من النصف الأول ( قوله : وبالقياس ) الأظهر حذف الباء لأنه معطوف على آية الدين ( قوله : جاز أن يكون ) أي الثمن ( قوله : لا أنه حصره ) وذلك لأنه يلزم على ظاهره فساد السلم في غير المكيل والموزون وفي الحال ا هـ ( قوله : بيع شيء ) يؤخذ من جعله بيعا أنه قد يكون صريحا وهو ظاهر ، وقد يكون كناية كالكتابة وإشارة الأخرس التي يفهمها الفطن دون غيره ( قوله : موصوف ) قال المحلي بالجر : أي فموصوف صفة لموصوف محذوف : أي شيء موصوف وإنما فعل كذلك لأن البيع لا يصح وصفه بكونه في الذمة ، فلو قرئ بالرفع كان بمعنى بيع موصوف في الذمة والبيع [ ص: 183 ] لا يصح وصفه بكونه في الذمة إلا بتجوز كأن يقال موصوف مبيعه أو ما تعلق به أو نحو ذلك ولا حاجة إليه ( قوله : المتفق عليها ) دفع به ما يقال إن التعريف بما ذكر ليس مانعا لشموله بيع موصوف في الذمة بلفظ البيع فإن التعريف صادق عليه مع أنه ليس بسلم ( قوله : قيل ) أي قال بعضهم ، وليس الغرض تضعيفه ( قوله : بصيغة واحدة ) ولا يخرج عن ذلك انعقاده بلفظ السلف كالسلم لأنهما لترادفهما يعدان واحدة ، وكذلك انعقاده بالتزويج كالنكاح لا يخرجهما عن كونهما صيغة واحدة لترادفهما حج بالمعنى ( قوله : لا يصح إسلام الكافر في الرقيق ) ومثل ذلك كل ما يمتنع تملك الكافر له كالمصحف وكتب العلم والسلم من الحربي في السلاح .

                                                                                                                            ( قوله : في الرقيق ) ومفهومه أن المسلم إذا أسلم للكافر في عبد مسلم صح ، لكن قال حج : الذي يتجه فيه عدم الصحة مطلقا : أي سواء كان حاصلا عند الكافر أو لا .

                                                                                                                            أقول : وذلك لندرة دخول العبد المسلم في ملك الكافر فأشبه السلم فيما يعز وجوده ، ولا يرد ما لو كان في ملكه مسلم لأن ما في الذمة لا ينحصر فيه ولا يجب دفعه عما فيه ويجوز تلفه قبل التسليم فلا يحصل به المقصود ( قوله : ومثل الرقيق المسلم المرتد ) أي فلا يصح إسلام الكافر فيه لبقاء علقة الإسلام فيه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            . [ ص: 182 ] كتاب السلم ( قوله : كالشفق ) أي كمغيبه كما هو ظاهر إذ هو الذي ينضبط ، ومن ثم ينبغي أن يكون المراد الأحمر وقوله : كالشفق إلخ ليس من الحديث فكان ينبغي له حذفه ; لأن له محلا يخصه كما سيأتي أو يمثل للكيل والوزن أيضا . ( قوله : فكما جاز أن يكون حالا ومؤجلا إلخ ) المناسب لتفريعه الآتي أن يقول : فكما جاز أن يكون معينا وفي الذمة إلخ ، [ ص: 183 ] ; لأن السلم ليس من لازمه التأجيل كما سيأتي ( قوله : ولهذا قال الشارح هذه ) أي ما في المتن وإلا فما أجاب به الشارح الجلال غير ما أشار إليه الشارح هنا ، والحاصل أنه يجاب عن المتن في اقتصاره على ما ذكره بجوابين : إما أنه حذف التقييد بلفظ السلم لعلمه من كلامه الآتي وهو الذي سلكه الشارح هنا وإما بأن ما في المتن تعريف له بالخاصة المتفق عليها ، وهو الذي سلكه الشارح الجلال وقد أوضح كلامه الشهاب حج في تحفته ، وحينئذ فمعنى كلام الشارح هنا أنه حيث علم أنه لا بد من التقييد بلفظ السلم : أي أو السلف فما اقتصر عليه المصنف تعريف له بالخاصة المتفق عليها كما ذكره الشارح الجلال




                                                                                                                            الخدمات العلمية