الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام لقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم وما يكره من التعمق

                                                                                                                                                                                                        1860 حدثنا مسدد قال حدثني يحيى عن شعبة قال حدثني قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تواصلوا قالوا إنك تواصل قال لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى أو إني أبيت أطعم وأسقى

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الوصال ) هو الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد ، فيخرج من أمسك اتفاقا . ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه ، ولم يجزم المصنف بحكمه لشهرة الاختلاف فيه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 239 ] قوله : ( ومن قال : ليس في الليل صيام لقوله - عز وجل - : ثم أتموا الصيام إلى الليل ) كأنه يشير إلى حديث أبي سعيد الخير ، وهو حديث ذكره الترمذي في " الجامع " ووصله في " العلل المفرد " وأخرجه ابن السكن وغيره في " الصحابة " والدولابي وغيره في " الكنى " كلهم من طريق أبي فروة الرهاوي عن معقل الكندي عن عبادة بن نسي عنه ، ولفظ المتن مرفوعا : " إن الله لم يكتب الصيام بالليل ، فمن صام فقد تعنى ، ولا أجر له " قال ابن منده : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وقال الترمذي : سألت البخاري عنه فقال : ما أرى عبادة سمع من أبي سعيد الخير ، وفي المعنى حديث بشير بن الخصاصية وقد أخرجه أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في تفسيرهما بإسناد صحيح إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت : " أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا ، وقال : يفعل ذلك النصارى ، ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى ، أتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطروا " لفظ ابن أبي حاتم ، وروى هو وابن أبي شيبة من طريق أبي العالية التابعي أنه سئل عن الوصال في الصيام فقال : قال الله تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل فإذا جاء الليل فهو مفطر .

                                                                                                                                                                                                        وروى الطبراني في " الأوسط " من طريق علي بن أبي طلحة عن عبد الملك عن أبي ذر رفعه قال : " لا صيام بعد الليل " أي : بعد دخول الليل ، ذكره في أثناء حديث ، وعبد الملك ما عرفته فلا يصح ، وإن كان بقية رجاله ثقات ومعارضه أصح منه كما سأذكره ، ولو صحت هذه الأحاديث لم يكن للوصال معنى أصلا ، ولا كان في فعله قربة ، وهذا خلاف ما تقتضيه الأحاديث الصحيحة من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كان الراجح أنه من خصائصه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ونهى النبي صلى الله عليه وسلم ) أي : أصحابه ( عنه ) أي : عن الوصال ( رحمة لهم وإبقاء عليهم ) ، وهذا الحديث قد وصله المصنف في آخر الباب من حديث عائشة بلفظ : " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم " وأما قوله : " وإبقاء عليهم " فكأنه أشار إلى ما أخرجه أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال : " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه " وإسناده صحيح كما تقدم التنبيه عليه في " باب الحجامة للصائم " وهو يعارض حديث أبي ذر المذكور قبل . قوله : ( وما يكره من التعمق ) هذا من كلام المصنف معطوف على قوله : " الوصال " أي : باب ذكر الوصال ، وذكر ما يكره من التعمق ، والتعمق المبالغة في تكلف ما لم يكلف به ، وعمق الوادي قعره ، كأنه يشير إلى ما أخرجه في كتاب التمني من طريق ثابت عن أنس في قصة الوصال فقال - صلى الله عليه وسلم - : لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم وسيأتي في الباب الذي بعده في آخر حديث أبي هريرة : " اكلفوا من العمل ما تطيقون " . ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث : أحدها حديث أنس من طريق قتادة عنه ، ويحيى المذكور في الإسناد هو القطان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تواصلوا ) في رواية ابن خزيمة من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة بهذا الإسناد : " إياكم والوصال " ولأحمد من طريق همام عن قتادة : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالوا : إنك تواصل ) كذا في أكثر الأحاديث ، وفي رواية أبي هريرة الآتية في أول الباب [ ص: 240 ] الذي يليه " فقال رجل من المسلمين " وكأن القائل واحد ونسب القول إلى الجميع لرضاهم به ، ولم أقف على تسمية القائل في شيء من الطرق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لست كأحد منكم ) في رواية الكشميهني : " كأحدكم " وفي حديث ابن عمر : " لست مثلكم " وفي حديث أبي سعيد : " لست كهيئتكم " وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم : " لستم في ذلك مثلي " ونحوه في مرسل الحسن عند سعيد بن منصور ، وفي حديث أبي هريرة في الباب بعده : " وأيكم مثلي؟ " وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد ، وقوله : " مثلي " أي : على صفتي أو منزلتي من ربي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إني أطعم وأسقى ، أو إني أبيت أطعم وأسقى ) هذا الشك من شعبة ، وقد رواه أحمد عن بهز عنه بلفظ : " إنى أظل - أو قال - إني أبيت " وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ : " إن ربي يطعمني ويسقيني " أخرجه الترمذي ، وقد رواه ثابتا عن أنس كما سيأتي في " باب التمني " بلفظ : " إني أظل يطعمني ربي ويسقيني " وبين في روايته سبب الحديث وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - واصل في آخر الشهر فواصل ناس من أصحابه ، فبلغه ذلك . وسيأتي نحوه في الكلام على حديث ابن عمر . ثاني الأحاديث حديث ابن عمر ، أخرجه من طريق مالك عن نافع عنه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية