الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 345 ] كتاب الصيام .

                                                                                                                                                                        يجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين ، أو رؤية هلاله ، فمن رأى الهلال بنفسه لزمه الصوم . ومن لم يره وشهد بالرؤية عدلان ، لزمه .

                                                                                                                                                                        وكذا إن شهد عدل على الأظهر المنصوص في أكثر كتبه . وقيل : يلزم بقول الواحد قطعا .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا بد من اثنين . فإن قلنا : لا بد من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء والعبيد فيه . ولا بد من لفظ الشهادة ، ويختص بمجلس القضاء ، ولكنها شهادة حسية ، لا ارتباط لها بالدعوى ، وإن قبلنا الواحد ، فهل هو بطريق الرواية ، أم الشهادة ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : شهادة ، فلا يقبل قول العبد والمرأة . نص عليه في " الأم " : وإذا قلنا : رواية ، قبلا . وهل يشترط لفظ الشهادة ؟ قال الجمهور : هو على الوجهين في كونه رواية أو شهادة .

                                                                                                                                                                        وقيل : يشترط قطعا .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : رواية ، ففي الصبي المميز الموثوق به طريقان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه على الوجهين في قبول رواية الصبي ، والثاني : وهو المذهب الذي قطع به الأكثرون : [ ص: 346 ] القطع بأنه لا تقبل . وقال الإمام ، وابن الصباغ تفريعا على أنه رواية : إذا أخبره موثوق به بالرؤية ، لزم قبوله وإن لم يذكره عند القاضي ، وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد صدقه .

                                                                                                                                                                        ولم يفرعوه على شيء . ومن هؤلاء ، ابن عبدان ، والغزالي في " الإحياء " وصاحب " التهذيب " . واتفقوا على أنه لا يقبل قول الفاسق على القولين جميعا .

                                                                                                                                                                        ولكن إن اعتبرنا العدد ، اشترطنا العدالة الباطنة ، وإلا فوجهان جاريان في رواية المستور . ولا فرق على القولين بين أن تكون السماء مصحية أو مغيمة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا صمنا بقول واحد تفريعا على الأظهر ، ولم نر الهلال بعد ثلاثين ، فهل نفطر ؟ فيه وجهان . أصحهما عند الجمهور : نفطر ، وهو نصه في " الأم " . ثم الوجهان جاريان ، سواء كانت السماء مصحية ، أو مغيمة . هذا مقتضى كلام الجمهور .

                                                                                                                                                                        وقال صاحب العدة وحكاه صاحب التهذيب : الوجهان إذا كانت السماء مصحية ، فإن كانت مغيمة ، أفطرنا قطعا . ولو صمنا بقول عدلين ، ولم نر الهلال بعد ثلاثين ، فإن كانت مغيمة ، أفطرنا قطعا ، وإن كانت مصحية ، أفطرنا أيضا على المذهب الذي قطع به الجماهير ، ونص عليه في " الأم " وحرملة .

                                                                                                                                                                        وقال ابن الحداد : لا نفطر ، ونقل عن ابن سريج أيضا . وفرع بعضهم على قول ابن الحداد فقال : لو شهد اثنان على هلال شوال ، ولم نر الهلال ، والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا أول يوم أفطرناه ، لأنه بان كونه من رمضان ، لكن لا كفارة على من جامع فيه ، لأن الكفارة تسقط بالشبهة ، وعلى المذهب : لا قضاء .

                                                                                                                                                                        [ ص: 347 ] فرع

                                                                                                                                                                        هل يثبت هلال رمضان بالشهادة على الشهادة ؟ فيه طريقان . أحدهما : على قولين كالحدود ، لأنه من حقوق الله تعالى ، وأصحهما : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف حصر المسجد ، وإنما القولان في الحدود المبنية على الإسقاط .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا عدد الفروع مبني على الأصول ، فإن اعتبرنا العدد في الأصول ، فحكم الفروع حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه للنساء والعبيد ، وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : طريقه الرواية ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يكفي واحد كرواية الأخبار ، والثاني : لا بد من اثنين . قال في " التهذيب " : وهو الأصح ، لأنه ليس بخبر من كل وجه ، بدليل أنه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنه رأى الهلال ، فعلى هذا ، هل يشترط إخبار حرين ذكرين ، أم يكفي امرأتان أو عبدان ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : الأول ، ونازع الإمام في أنه لا يكفي قوله : أخبرني فلان عن فلان على قولنا : رواية .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : طريقه الشهادة ، فهل يكفي واحد ، أم يشترط اثنان ؟ وجهان . وقطع في " التهذيب " باشتراط اثنين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجب مما يقتضيه حساب المنجم ، الصوم عليه ، ولا على غيره . قال الروياني : وكذا من عرف منازل القمر ، لا يلزمه الصوم به على الأصح . وأما الجواز ، فقال في " التهذيب " : لا يجوز تقليد المنجم في حسابه ، لا في الصوم ، ولا في الفطر ، وهل يجوز له أن يعمل بحساب نفسه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        وجعل الروياني الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به وجود الهلال . وذكر أن الجواز اختيار ابن سريج ، والقفال ، [ ص: 348 ] والقاضي الطبري . قال : فلو عرف بالنجوم ، لم يجز الصوم به قطعا . ورأيت في بعض المسودات ، تعدية الخلاف في جواز العمل به إلى غير المنجم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا قبلنا قول الواحد في الصوم ، قال في " التهذيب " : لا نوقع به الطلاق والعتق المعلقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجل إليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يثبت هلال شوال ، إلا بعدلين ، وقال أبو ثور : يقبل فيه قول واحد . قال صاحب " التقريب " : ولو قلت به لم أكن مبعدا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية