الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 151 ] ( باب الاستحقاق ) وهو طلب الحق ، وفي المصباح استحق فلان الأمر استوجبه قاله الفارابي ، وجماعة فالأمر مستحق بالفتح اسم مفعول ، ومنه خرج البيع مستحقا . ا هـ .

                                                                                        وذكره عقيب الحقوق للمناسبة بينهما لفظا ومعنى قوله ( البينة حجة متعدية لا الإقرار ) لأن البينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي ، وله ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة ، والإقرار حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء ، وللمقر ولاية على نفسه دون غيره فيقتصر عليه كذا ذكر الشارح ، وظاهره أن معنى التعدي أنه يكون القضاء به قضاء على كافة الناس في كل شيء قضي به بالبينة ، وليس كذلك ، وإنما يكون القضاء على الكافة في العتق قال في الخلاصة القضاء بحرية العبد قضاء في حق الناس كافة . ا هـ .

                                                                                        وفي الصغرى من دعوى النكاح من كتاب الدعوى إذا قضى القاضي لإنسان بنكاح امرأة أو بنسب أو بولاء عتاقة ثم ادعاه الآخر لا تسمع ذكره في آخر الباب الرابع والمائة من أدب القاضي ا هـ .

                                                                                        وأما القضاء بالوقف ففي الخلاصة من القضاء ، والقضاء بوقفية موضع هل يكون قضاء على الناس كافة اختلف المشايخ فيه ، وفي كتاب الدعوى أرض في يد رجل ادعى رجل أن هذه الدار وقف من جهة فلان على جهة معلومة ، وأنه متولي ذلك الوقف ، وذكر الشرائط ، وأثبت بالبينة ، وقضى القاضي بالوقفية ثم جاء رجل ، وادعى أن هذه الأرض ملكه وحقه تسمع بخلاف العبد إذا ادعى العتق على إنسان وقضى القاضي بالعتق ثم ادعى رجل أن هذا العبد ملكه لا تسمع لأن القضاء بالعتق قضاء على جميع الناس كافة بخلاف الوقف قال الصدر الشهيد لم نر لهذا رواية ، ولكن سمعت أن فتوى السيد أبي شجاع على هذا .

                                                                                        وفي فوائد شمس الأئمة الحلواني وركن الإسلام علي السغدي أن الوقف كالعتق في عدم سماع الدعوى بعد قضاء القاضي بالوقفية لأن الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل إلا في مواضع مخصوصة ، وكذا في النوازل ا هـ .

                                                                                        وصحح العمادي في الفصول أن القضاء به ليس قضاء على الكافة فتسمع فيه دعوى الملك فقد ظهر بهذا أن القضاء يكون على الكافة في الحرية والنكاح والنسب والولاء خاصة ، وفي الوقف يقتصر على الأصح ، وأما القضاء بالملك فقضاء على المدعى عليه ، وعلى من تلقى الملك منه كذا في الخلاصة ، وفيها قبله : المشتري إذا صار مقضيا عليه هل يصير البائع مقضيا عليه حتى لا تسمع إن قال المشتري في جواب دعوى المدعي ملكي لأني اشتريته من فلان يعني من البائع صار البائع مقضيا عليه حتى لا تسمع دعوى البائع هذا المحدود ، ويرجع المشتري عليه بالثمن أما إذا قال في الجواب ملكي ولم يزد عليه لا يصير البائع مقضيا عليه حتى تسمع دعواه هذا المحدود ، والإرث كالشراء ، وهو منصوص في الجامع الكبير ، وصورتها دار في يد رجل يدعي أنها له فجاء آخر وادعى أنها له ورثها من أبيه ، وأقام البينة وقضى القاضي له عليه بها ثم جاء أخو المقضي عليه ، وادعى أن هذه الدار كانت لأبيه مات ، وتركها [ ص: 152 ] ميراثا له بين الأخ المقضي عليه وبينه يقضى للأخ المدعي بنصف الدار لأن الأخ المقضي عليه لم يقل في الجواب ملكي لأني ورثتها من أبي فلم يصر الأخ الآخر حينئذ مقضيا عليه فتسمع دعواه .

                                                                                        وكذا لو أقر ذو اليد ، وهو الأخ المقضي عليه أنه ورثها من أبيه بعدما أنكر ، وبعد إقامة البينة ، ولو أقر أنه ورثها من أبيه قبل إقامة البينة لا تسمع دعوى الأخ . ا هـ .

                                                                                        وذكر قبله المورث إذا صار مقضيا عليه في محدود فمات فادعى وارثه ذلك المحدود إن ادعى الإرث من هذا المورث لا تسمع ، وإن ادعى مطلقا تسمع ، وإن كان على القلب بأن كان المورث مدعيا ، والمقضي عليه أجنبيا فلما مات المورث ادعى المقضي عليه هذا المحدود مطلقا على وارثه لا تسمع ، وذكر فيها معزيا إلى الصغرى في دعوى الدين على إحدى الورثة ، وقد أقر المدعي أن الميت لم يترك شيئا القضاء عليه قضاء على الميت . ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن القضاء على المشتري قضاء على البائع بالشرط السابق ، وفي فتح القدير أن القضاء باستحقاق المبيع من يد المشتري قضاء على الكل ، ولا تسمع دعوى أحدهم أنه ملكه ، وعلى الوارث قضاء على المورث بشرطه ، وعلى المورث قضاء على الوارث بشرطه ، وعلى أحد الورثة قضاء على الباقي بشرطه ، وذكر ملا خسرو من باب الاستحقاق ، والحكم بالحرية الأصلية حكم على الكافة حتى لا تسمع دعوى الملك من أحد ، وكذا العتق وفروعه ، وأما الحكم في الملك المؤرخ فعلى الكافة من التاريخ لا قبله يعني إذا قال زيد لبكر إنك عبدي ملكتك منذ خمسة أعوام فقال بكر إني كنت عبد بشر ملكني منذ ستة أعوام فأعتقني فبرهن عليه اندفع دعوى زيد ثم إذا قال عمرو لبكر إنك عبدي ملكتك منذ سبعة أعوام ، وأنت ملكي الآن فبرهن عليه تقبل ، ويفسخ الحكم بحريته ، ويجعل ملكا لعمرو .

                                                                                        ويدل عليه أن قاضي خان قال في أول البيوع في شرح الزيادات فصارت مسائل الباب على قسمين أحدهما عتق في ملك مطلق وهو بمنزلة حرية الأصل ، والقضاء به قضاء على كافة الناس ، والثاني القضاء بالعتق في الملك المؤرخ وهو قضاء على كافة الناس من وقت التاريخ ، ولا يكون قضاء قبله فليكن هذا على ذكر منك فإن الكتب المشهورة خالية عن هذه الفائدة . ا هـ .

                                                                                        ومن فروع التعدي إذا قضي بها دون الإقرار مسألة في الاستحقاق إذا استحق المبيع ببينة رجع المشتري على بائعه بالثمن ، وبالإقرار لا ، ومن مسائل الاستحقاق ما في جامع الفصولين لو استحق بالبينة فطلب ثمنه من بائعه فقال المبيع لي ، وشهدا بزور فقال المشتري أنا أشهد بذلك ، وأنهما شهدا بزور فللمشتري أن يرجع بثمنه على بائعه مع هذا الإقرار إذ المبيع لم يسلم له فلا يحل ثمنه للبائع ثم قال المرجوع عليه عند الاستحقاق لو أقر بالاستحقاق ، ومع ذلك برهن الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار لأنه محتاج إلى أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه الرجوع على بائعه ، وفيه لو برهن المدعي ثم أقر المدعى عليه بالملك يقضى له بإقرار لا ببينة إذ البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر ، وفيه اختلاف المشايخ فقيل يقضى بالإقرار ، وقيل بالبينة ، والأول أظهر ، وأقرب إلى الصواب ا هـ .

                                                                                        وأورد على أن الإقرار قاصر على المقر مسألتان الأولى إذا أراد الزوج أن يسافر بامرأته فأقرت بدين لإنسان فإنه يمنعها من السفر الثانية إذا أقر الآجر بدين يصح ، وتنفسخ الإجارة ، ولم يقتصر الإقرار على المقر .

                                                                                        والجواب أن هذا الإقرار ، وإن كان على الغير لكنه من ضرورات الإقرار لأنه صادف خالص حق المقر ، وهو الذمة ثم لزم منه إتلاف حق الغير بالضرورة ، ولأن المرأة ، والآجر [ ص: 153 ] يقدران على الإنشاء بالاستقراض ، وهذا قول أبي حنيفة ، وعندهما لا يصدق المؤجر في حق المستأجر ، ولا تنتقض الإجارة ، ولا تصدق المرأة في حق الزوج حتى لا يكون للمقر له حبسها وملازمتها ، ولا يبطل حق الزوج في نقلها كذا ذكره العتابي في شرح الزيادات ، وذكر قبله أصلا لأبي حنيفة فقال أصل الباب أن إقرار الإنسان على غيره لا يصح ، وذلك بأن يتضمن إقراره بطلان حق الغير بحيث يضاف البطلان إلى إقراره ففي مسألة الإجارة إنما يصح إقراره لأنه تصرف في ذمة نفسه بالتزام الدين ثم تعدى إلى حق الغير ، وهو المستأجر ، وحقه إنما يبطل بعد الإقرار بالبيع والتنفيذ فلا يضاف البطلان إلى إقرار الآجر فلا يكون إقرارا على الغير ، وكذا في مسألة المرأة ا هـ .

                                                                                        ومن مسائل اقتصار الإقرار مسألة في الذخيرة من الفصل الثالث والعشرين من المتفرقات قبيل الصرف ذكر في الباب الأول من شهادات الجامع شهدا على رجل بعتق عبد فردت لتهمة فوكل المولى أحدهما ببيعه فباعه من الشاهد الآخر صح البيع لأن قولهما لم ينفذ في حق المالك ، والمتعاقدان وإن تصادقا على فساد البيع لكن قولهما ليس بحجة على غيرهما ، وعتق العبد لإقرار المشتري بحريته ، وولاؤه موقوف ، وبرئ المشتري عن الثمن في قياس قولهما ، ولا يبرأ في قياس قول أبي يوسف بناء على إبراء الوكيل بالبيع عن الثمن ، وضمنه الوكيل عندهما ، وليس للوكيل حق استيفاء الثمن عند أبي يوسف إنما يستوفيه الموكل بخلاف الوكيل بالبيع إذا أبرأ عن الثمن حتى لم يصح الإبراء عنده فللوكيل استيفاؤه ، وإن باع الوكيل العبد من غير صاحبه جاز ، ولا عتق ولا براءة ، وتمامها فيها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب الاستحقاق ) ( قوله وصحح العمادي في الفصول إلخ ) نقل الرملي عن الغزي عبارة الفصول في الفصل العاشر في دعوى الوقف ، وليس فيها تصحيح أصلا بل مجرد حكاية أنه قضاء على الكافة عن الإمام الحلواني والسندي ، وعدمه عن الفقيه أبي الليث والصدر الشهيد قال وفي الفواكه البدرية لمولانا بدر الدين بن الغرس إن القضاء بالوقف لا يكون قضاء كليا حتى تسمع فيه دعوى ملك وقف آخر ، وهو الصحيح ا هـ .

                                                                                        قلت : وعبارة جامع الفصولين القضاء بالوقفية قيل يكون على الناس كافة ، وقيل لا ( قوله في الحرية ، والنكاح ، والنسب ، والولاء ) أراد بالحرية بالعتق لأنه هو الذي ذكره سابقا ، وسيأتي عن الدرر ذكر الحرية الأصلية ، وتقييد العتق بما إذا كان في ملك مطلق لا مؤرخ ليكون بمنزلة الحرية الأصلية في كونه قضاء على الكافة مطلقا ، وألا يكون قضاء على الكافة من وقت التاريخ .

                                                                                        وزاد في الحواشي الحموية على ما هنا ما في معين الحكام لو أحضر رجلا ، وادعى عليه حقا لموكله ، وأقام البينة على أنه وكله في استيفاء حقوقه ، والخصومة قبلت ، ويقضى بالوكالة ، ويكون القضاء عليه قضاء على كافة الناس لأنه ادعى عليه حقا بسبب الوكالة فكان إثبات [ ص: 152 ] السبب عليه إثباتا على الكافة حتى لو أحضر آخر ، وادعى عليه حقا لا يكلف إعادة البينة على الوكالة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وأما الحكم في الملك المؤرخ إلخ ) قال السيد أبو السعود في حاشية مسكين استنبط شيخنا من كلام منلا خسرو أن القضاء بالنكاح لمن ادعاه ، وأثبته يكون قضاء في حق كافة الناس من وقت التاريخ فلا تسمع دعوى أحد نكاحها من ذلك الوقت ما بقي النكاح المقضي به ، وقبل الوقت الذي أرخه تقبل ، ويبطل به الحكم للأول لأنه يصير قضاء على الكافة من وقت التاريخ لا قبله . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وفيه اختلاف المشايخ إلخ ) ذكر في فتح القدير عن فتاوى رشيد الدين أنه مشى أولا على القول الثاني ، وفي آخر الباب قال والأول أظهر ، وأقرب إلى الصواب ثم قال وهذا يناقض ما ذكره أولا إلا أن تخص تلك بعارض الحاجة إلى الرجوع ، فيتحصل أنه إذا ثبت الحق بهما ينبغي على ما جعله الأظهر أن يقضى بالإقرار وإن سبقته إقامة البينة غير أن القاضي يتمكن من اعتبار قضائه بالبينة فعند تحقق حاجة الخصم إلى ذلك ينبغي أن يعتبر قضاء بها ليندفع الضرر عنه بالرجوع . ا هـ .

                                                                                        ولخصه في النهر بقوله ، وتحصل من هذا أن عند ثبوت الحق بهما يقضى بالإقرار على الأظهر إلا عند الحاجة فبالبينة ، وسيذكر المؤلف عبارته بتمامها في التتمة آخر هذا الفصل [ ص: 153 ] ( قوله وولاؤه موقوف ) لأن المولى مع المشتري كل منهما ينفيه عن نفسه ذخيرة .




                                                                                        الخدمات العلمية