الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في خليط البسر والتمر

                                                                                                          1876 حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في خليط البسر والتمر ) أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض ، والبسر بضم الموحدة نوع من ثمر النخل معروف ، والمراد هنا التمر قبل إرطابه كما في القاموس .

                                                                                                          قوله : ( عن عطاء بن أبي رباح ) بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال من الثالثة ، وقيل إنه تغير بآخره ولم يكن ذلك منه .

                                                                                                          قوله : ( نهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعا ) وفي رواية لمسلم : نهى أن يخلط الزبيب والتمر والبسر والتمر ، وفي أخرى له : لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر نبيذا . قال النووي : هذه الأحاديث صريحة في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما وهما تمر وزبيب ، أو تمر ورطب ، أو تمر وبسر ، أو رطب وبسر ، أو زهو وواحد من هذه المذكورات ونحو ذلك . قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : سبب الكراهة فيه أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس مسكرا ويكون مسكرا . ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكرا ، وبهذا قال جماهير العلماء . وقال بعض المالكية : هو حرام ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في روايته عنه : لا كراهة فيه ولا بأس به لأن ما حل مفردا حل مخلوطا ، وأنكر عليه الجمهور وقالوا منابذة لصاحب الشرع ، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه ، فإن لم يكن حراما كان مكروها . واختلف أصحاب مالك في أن النهي هل يختص بالشرب أم يعمه وغيره ، والأصح التعميم ، أما خلطهما لا في الانتباذ بل في معجون وغيره [ ص: 507 ] فلا بأس به انتهى كلام النووي وقال العيني في شرح البخاري : هذه جرأة شنيعة على إمام أجل من ذلك ، وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه وإنما مستنده في ذلك أحاديث منها ما رواه أبو داود عن عبد الله الخريبي عن مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بني أسد عن عائشة رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقى فيه تمر ، أو تمر فيلقى فيه زبيب . وروى أيضا عن زياد الحساني حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز حدثتني صفية بنت عطية قالت : دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة رضي الله عنها فسألنا عن التمر والزبيب فقالت : كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في الإناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم . وروى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن أبي إسحاق وسليمان الشيباني عن ابن زياد أنه أفطر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسقاه شرابا فكأنه أخذ منه ، فلما أصبح غدا إليه ، فقال له : ما هذا الشراب ما كدت أهتدي إلى منزلي ؟ فقال ابن عمر : ما زدناك على عجوة وزبيب .

                                                                                                          فإن قلت : قال ابن حزم في الحديث الأول لأبي داود امرأة لم تسم ، وفي الثاني أبو بحر لا يدرى من هو ، عن عتاب وهو مجهول عن صفية ولا يدرى من هي .

                                                                                                          قلت : هذه ثلاثة أحاديث يشد بعضها بعضا انتهى كلام العيني .

                                                                                                          قلت : في سند حديث عائشة الأول امرأة مجهولة وفي سند حديثها الثاني صفية بنت عطية وهي أيضا مجهولة ، وفيه أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان ، قال المنذري : لا يحتج بحديثه . وأما الحديث الثالث فليس بمرفوع فكيف يقال إن هذه الأحاديث يشد بعضها بعضا ، ولو سلم أن بعضها يشد بعضا فغاية ما فيها أنها تدل على مطلق الجواز فهي قرينة على أن النهي في حديث جابر وما في معناه من الأحاديث الصحيحة المرفوعة محمول على كراهة التنزيه ، ولذلك ذهب الجمهور إلى الكراهة التنزيهية ، ولذلك أنكروا على الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى في قوله بالجواز بلا كراهة فاعتراض العيني على النووي بقوله : هذه جرأة شنيعة إلخ ليس مما ينبغي .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه بزيادة .




                                                                                                          الخدمات العلمية