الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية أن ينبذ في الدباء والحنتم والنقير

                                                                                                          1868 حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت زاذان يقول سألت ابن عمر عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية أخبرناه بلغتكم وفسره لنا بلغتنا فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتمة وهي الجرة ونهى عن الدباء وهي القرعة ونهى عن النقير وهو أصل النخل ينقر نقرا أو ينسج نسجا ونهى عن المزفت وهي المقير وأمر أن ينبذ في الأسقية قال وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الرحمن بن يعمر وسمرة وأنس وعائشة وعمران بن حصين وعائذ بن عمرو والحكم الغفاري وميمونة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في كراهية أن ينبذ في الدباء والحنتم والنقير ) الدباء بضم الدال المهملة وتشديد الباء وهو القرع اليابس ، وهو من الآنية التي يسرع الشراب في الشدة إذا وضع فيها ، وأما النقير فبالنون المفتوحة والقاف وهو فعيل بمعنى مفعول من نقر ينقر ، وكانوا يأخذون أصل النخلة فينقرونه في جوفه ويجعلونه إناء ينتبذون فيه لأن له تأثيرا في شدة الشراب . وأما الحنتم فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم ميم الواحدة حنتمة .

                                                                                                          قوله : ( عن عمرو بن مرة ) هو الجملي المرادي أبو عبد الله الكوفي .

                                                                                                          قوله : ( سألت ابن عمر عن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية إلخ ) وفي رواية مسلم : قال : قلت لابن عمر حدثني بما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأشربة بلغتك وفسره لي بلغتنا ، فإن لكم لغة سوى لغتنا ( وأخبرناه بلغتكم ) أي وقلت له أخبرناه أي حدثنا بما نهى النبي صلى الله عليه وسلم بلغتكم ( وهي [ ص: 496 ] الجرة ) قال النووي : اختلف في الحنتم ، وأصح الأقوال وأقواها : أنها جرار خضر ، وهذا التفسير ثابت في كتاب الأشربة من صحيح مسلم عن أبي هريرة ، وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابي وبه قال الأكثرون أو كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء .

                                                                                                          والثاني : أنها الجرار كلها ، قاله عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وأبو سلمة .

                                                                                                          والثالث : أنها جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف وروي ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه ونحوه عن ابن أبي ليلى وزاد أنها حمر .

                                                                                                          والرابع : عن عائشة رضي الله تعالى عنها جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر .

                                                                                                          والخامس : عن ابن أبي ليلى أيضا أفواهها في جنوبها يجلب لها الخمر من الطائف وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر .

                                                                                                          والسادس : عن عطاء جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم انتهى .

                                                                                                          ( وهي القرعة ) أي اليابسة ( ونهى عن النقير وهي أصل النخل ينقر نقرا أي ينسج نسجا ) كذا في النسخ الموجودة بالجيم . قال الجزري في النهاية : هي النخلة تنسج نسجا هكذا جاء في مسلم والترمذي . وقال بعض المتأخرين : هو وهم وإنما هو بالحاء المهملة ، قال : ومعناه أن ينحى قشرها عنها وتملس وتحفر . وقال الأزهري : النسج ما تحات عن التمر من قشره وأقماعه مما يبقى في أسفل الوعاء انتهى . ووقع في رواية مسلم : تنسح نسحا بالحاء المهملة قال النووي : هكذا هو في معظم الروايات ، والنسح بسين وحاء مهملتين أي تقشر ثم تنقر فتصير نقيرا ، ووقع لبعض الرواة في بعض النسخ تنسج بالجيم ، قال القاضي وغيره : هو تصحيف ، وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيحمسلم وفي الترمذي بالجيم وليس كما قال بل معظم نسخ مسلم بالحاء انتهى ( ونهى عن المزفت ) بتشديد الفاء المفتوحة وهو الإناء المطلي بالزفت وهو القير ( وهو المقير ) بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة .

                                                                                                          قال النووي : معنى النهي عن هذه الأربع هو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراما نجسا وتبطل ماليته ، فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه انتهى ( وأمر أن ينتبذ في الأسقية ) قال النووي : لم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر بل إذا صار مسكرا شقها غالبا انتهى .

                                                                                                          وقال القاري : المراد بالنهي عن هذه الأربع ليس استعمالها مطلقا بل النقيع فيها والشرب [ ص: 497 ] منها ما يسكر وإضافة الحكم إليها خصوصا إما لاعتيادهم استعمالها في المسكرات أو لأنها أوعية تسرع بالاشتداد فيما يستنقع لأنها غليظة لا يترشح منها الماء ولا ينفذ فيها الهواء فلعلها تغير النقيع في زمان قليل ويتناوله صاحبه على غفلة بخلاف السقاء فإن التغير فيه يحدث على مهل ، والدليل على ذلك ما روي أنه قال : نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء ، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا . وقيل هذه الظروف كانت مختصة بالخمر فلما حرمت الخمر حرم النبي صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف إما لأن في استعمالها تشبيها بشرب الخمر ، وإما لأن هذه الظروف كان فيها أثر الخمر ، فلما أمضت مدة أباح النبي صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف ، فإن أثر الخمر زال عنها . وأيضا في ابتداء تحريم شيء يبالغ ويشدد ليتركه الناس مرة فإذا تركه الناس واستقر الأمر يزول التشديد بعد حصول المقصود انتهى كلام القاري .

                                                                                                          قال النووي : ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنها يعني الذي يأتي في الباب الذي يليه .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس إلخ ) أما حديث عمر فلينظر من أخرجه . وأما حديث علي فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي . وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا الشيخان وأبو داود والنسائي . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي . وأما حديث عبد الرحمن بن يعمر بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الميم فأخرجه ابن ماجه عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم . وأما حديث سمرة فأخرجه أحمد . وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان والنسائي . وأما حديث عائشة فأخرجه أيضا الشيخان والنسائي . وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد . وأما حديث عائذ بن عمرو وحديث الحكم الغفاري فلينظر من أخرجهما . وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجرار وقال : كل مسكر حرام .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية