الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجب إخراج الحق بعد التمييز كما قلنا في العشر : إنه يجب فيه [ بعد ] التصفية والتجفيف ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا قلنا بالمذهب : إن الحول لا يشترط في زكاة المعدن فوقت الوجوب حصول النيل في يده بترابه ، ووقت الإخراج التخليص والتصفية ، فلو أخرج من التراب والحجر قبل التنقية لم يجزئه ، وكان مضمونا على الساعي ، نص عليه الشافعي [ في المختصر وغيره واتفق عليه الأصحاب ، قال الشافعي والأصحاب : ] ويلزمه رده . قالوا : فلو اختلفا في قدره قبل التلف أو بعده ، فالقول قول الساعي بيمينه ; لأن الأصل براءته مما زاد ، فلو ميز الساعي القدر الذي قبضه وخلصه من التراب أجزأ عن الزكاة إن كان قدر الواجب ، فإن كان أكثر استرجع الزيادة ، وإن كان أقل لزم المالك الإتمام ولا شيء للساعي بعمله ; لأنه متبرع . وإذا تلف في يد الساعي قبل التمييز وغرمه ، فإن كان تراب فضة قوم بذهب ، وإن كان تراب ذهب قوم بفضة ، فإن اختلفا في قيمته فالقول قول الساعي ; لأنه غارم ، هكذا نقله كله القاضي أبو الطيب في " المجرد " عن نص الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، إلا السرخسي فحكى في " الأمالي " وجها عن أبي إسحاق : أنه إذا ميزه الساعي أو المساكين لا يجزئه ; لأنه لم يكن حال الإخراج على هيئة الواجب ، كمن لزمه جذعة ضأن فأخرج سخلة ، فبقيت في يد المساكين حتى صارت جذعة ، فإنها لا تجزئه . والمذهب : القطع بالإجزاء في مسألة المعدن كما نص عليه وقطع به الجمهور بخلاف مسألة السخلة ; لأنها لم تكن على الصفة الواجبة ، وحق المعدن كان على الصفة لكن مختلط بغيره ، ولو وجب عليه تمر فأخرج رطبا وبقي في يد الساعي أو المساكين حتى صار تمرا أجزأه ذلك على المذهب ، وبه قطع الماوردي وغيره ، وحكى [ ص: 46 ] السرخسي فيه وجهين عن أبي إسحاق .

                                      قال أصحابنا : ومؤنة التخليص والتنقية على المالك بلا خلاف ، كمؤنة الحصاد والدياس ، ولا يحسب شيء منها من مال المعدن ، فلو أخرج منه شيئا في المؤنة كان آثما ضامنا . قال أصحابنا : فلو تلف بعضه قبل التمييز ، فهو كتلف بعض المال قبل التمكن ، ولو امتنع من التخليص أجبر عليه . والله أعلم .



                                      فرع في مسائل تتعلق بالمعدن : ( إحداها ) الحق المأخوذ من واجده زكاة عندنا ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وسواء قلنا : يجب فيه الخمس أم ربع العشر ، وقيل : إن قلنا بربع العشر فهو زكاة ، وإلا فقولان .

                                      ( أصحهما ) : زكاة .

                                      ( والثاني ) : تصرف في مصارف خمس الفيء ، وهو قول المزني وأبي حفص بن الوكيل من أصحابنا ، وقد سبق ( ذلك ) عنهما ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وتظهر فائدة الخلاف في مصرفه وفي وجوبه على الذمي كما سبق .



                                      ( الثانية ) : إذا وجد معدنا أو ركازا وعليه دين بقدر الموجود أو ينقصه عن النصاب ، ففي منع الدين زكاتهما القولان السابقان في سائر الزكوات ، الأصح لا يمنع .



                                      ( الثالثة ) قال الشافعي في " المختصر " والأصحاب : لا يجوز بيع تراب المعدن قبل التخليص لا بذهب ولا بفضة ولا بغيرهما ، هذا مذهبنا ، وقال مالك : يجوز ، دليلنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الغرر } ; ولأن المقصود غير التراب وهو مستور بلا مصلحة له في بقائه فيه ، فلم يجز بيعه كتراب الصاغة ، فإن مالكا وافق عليه . واحتج مالك بجواز بيع حنطة مختلطة بشعير ، وأجاب أصحابنا : بأنهما مقصودان بخلاف المعدن ، وإنما نظير الحنطة المختلطة بيع الذهب مختلطا بالفضة وهو جائز بغيرهما .

                                      قال صاحب " البيان " : قال [ ص: 47 ] أبو إسحاق المروزي : فأما إذا باع تراب المعدن بعد التمييز وأخذ ما فيه من ذهب أو فضة ثم وجد فيه فتات يسير فالبيع صحيح ; لأن المقصود نفس التراب دون ما فيه . قال القاضي أبو الطيب في " المجرد " : يجوز بيع تراب الصاغة إذا لم يكن فيه شيء من الذهب والفضة ; لأنه ينتفع به في جلاء الصفرة .



                                      ( الرابعة ) في مذاهب العلماء في المعدن . ذكرنا : أن المشهور من مذهبنا اختصاص الوجوب بالذهب والفضة . وأوجبه أبو حنيفة في كل منطبع كحديد ونحاس ، وفي الزئبق روايتان ، وأوجبه أحمد في كل مستخرج ، ومذهبنا المشهور : أن واجب المعدن ربع العشر ، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

                                      وقال وأبو حنيفة وأحمد والجمهور ، وقال داود والمزني : يشترى ، وهو والواجب عندنا في المعدن زكاة ، وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة : فيء ، والنصاب عندنا شرط . وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وداود ، وقال أبو حنيفة : لا يشترط . والحول ليس بشرط ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والجمهور ، وقال داود والمزني : يشترط ، وهو قول ضعيف للشافعي سبق .

                                      . قال العبدري من أصحابنا : حق المعدن والركاز وغيرهما من الزكوات لا يجوز للإمام صرفه إلى من وجب عليه ، وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة : يجوز أن يصرف إليه حق المعدن والركاز دون الزرع وغيره . وقال أحمد : يجوز أن يصرف إليه جميع ذلك ، وأما المكاتب والذمي إذا أخذ من المعدن شيئا فلا شيء فيه عندنا وبه قال جماهير العلماء . وقال أبو حنيفة : يجب عليهما . ومؤنة تخليص نيل المعدن على المالك عندنا . وقال أبو حنيفة : منه كأجرة نقل الغنيمة ، وبناؤه على أصله : أنه كالغنيمة ، وعندنا هو زكاة كمؤنة الحصادين . ولو وجد المعدن في ملكه وجب فيه الحق كما لو وجده في موات ، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد . وقال أبو حنيفة : لا يجب كسائر أمواله حتى يحول حول . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية