الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأشربة ( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل شراب أسكر فهو حرام } وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام } وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها } ونهى عنها . قال مالك عن زيد بن أسلم هي السكركة ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة } .

أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه قال كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أمه وقد كانت صلت القبلتين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وقال انتبذوا كل واحد منهما على حدته } أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر } .

أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال { لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قيل [ ص: 194 ] له ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت } . أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تنبذوا في الدباء والمزفت } قال ثم يقول أبو هريرة واجتنبوا الحناتم والنقير ، أخبرنا سفيان قال : سمعت الزهري يقول : سمعت أنسا يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه . أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه { أن أبا تميم الجيشاني سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال : كل مسكر حرام أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء فإن لم يكن فتور من حجارة } أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال ؟ قالوا نهى أن ننتبذ في الدباء والمزفت } أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت } أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا } أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس رضي الله عنهما { أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله تعالى ذكره حرمها ؟ } قال : لا ، فسار إنسانا إلى جنبه ، فقال : بم ساررته ؟ فقال أمرته أن يبيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الذي حرم شربها حرم بيعها } ففتح فم المزادتين حتى ذهب ما فيهما أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا باع الخمر أو ما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها ؟ } أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال ألا إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق فقال سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق وما أسكر فهو حرام أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له : إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان .

أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ، أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل فقالوا لا يصلحنا العسل فقال رجال من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما . أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أتجلد في ريح الشراب ؟ فقال عطاء إن الريح لتكون من الشراب الذي ليس به بأس ، فإذا اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما .

( قال الشافعي ) وقول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه لا يعرف الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فيعلم منه أنه مسكر ثم [ ص: 195 ] يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يصلي على جنازة فسمعه السائب يقول إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم قال سفيان فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم ، أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه } لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل فصارت رخصة قال سفيان قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت من بين يديه أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جريحا وأتي النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بشارب فقال اضربوه فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بكتوه فبكتوه ثم أرسله } فلما كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر رضي الله تعالى عنه حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار عمر عليا رضي الله تعالى عنه فضربه ثمانين . أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال قال فجلد عمر ثمانين في الخمر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وبلغنا عن الحسين بن أبي الحسن أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا فإن الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات فيه ففيه دية إما قال في بيت المال وإما قال على الإمام أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال لا أوتى بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدريا . سمعت الشافعي وهو يحتج في ذكر المسكر فقال كلاما قد تقدم لا أحفظه فقال أرأيت إن شرب عشرة ولم يسكر ؟ فإن قال حلال قيل أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر ؟ فإن قال حرام قيل له أفرأيت شيئا قط شربه رجل وصار في جوفه حلالا ثم صيرته الريح حراما ؟ وقول الشافعي إن ما أسكر كثيره فقليله حرام ؟ أخبرنا مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت } .

التالي السابق


الخدمات العلمية