الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 130 ] النوع السابع والخمسون في الخبر والإنشاء .

اعلم أن الحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصار الكلام فيهما ، وأنه ليس له قسم ثالث .

وادعى قوم : أن أقسام الكلام عشرة : نداء ، ومسألة ، وأمر ، وتشفع ، وتعجب ، وقسم ، وشرط ، ووضع ، وشك ، واستفهام .

وقيل : تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة .

وقيل : ثمانية ، بإسقاط التشفع لدخوله فيها .

وقيل : سبعة بإسقاط الشك لأنه من قسم الخبر .

وقال الأخفش : هي ستة : خبر ، واستخبار ، وأمر ، ونهي ، ونداء ، وتمن .

وقال بعضهم : خمسة : خبر ، وأمر ، وتصريح ، وطلب ، ونداء .

وقال قوم : أربعة : خبر ، واستخبار ، وطلب ، ونداء .

وقال كثيرون : ثلاثة : خبر ، وطلب ، وإنشاء .

قالوا : لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا : الأول الخبر ، والثاني : إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء ، وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب .

والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء ، وأن معنى ( اضرب ) مثلا - وهو طلب الضرب - مقترن بلفظه ، وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه .

وقد اختلف الناس في حد الخبر فقيل : لا يحد لعسره ، وقيل : لأنه ضروري ؛ لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة ، ورجحه الإمام في المحصول . والأكثر على حده ، قال القاضي أبو بكر والمعتزلة : الخبر : الكلام الذي يدخله [ ص: 131 ] الصدق والكذب . فأورد عليه خبر الله تعالى ، فإنه لا يكون إلا صادقا ، فأجاب القاضي بأنه يصح دخوله لغة .

وقيل : الذي يدخله التصديق والتكذيب ، هو سالم من الإيراد المذكور .

وقال أبو الحسن البصري : كلام يفيد بنفسه فأورد عليه ، نحو : ( قم ) فإنه يدخل في الحد ؛ لأن القيام منسوب ، والطلب منسوب .

وقيل : الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو إثباتا .

وقيل : القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو الإثبات .

وقال بعض المتأخرين : الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام ، والخبر خلافه .

وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة :

الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكف عنها ، والأول الاستفهام ، والثاني الأمر ، والثالث النهي ، وإن لم يفد طلبا بالوضع ، فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمي تنبيها وإنشاء ; لأنك نبهت به عن مقصودك وأنشأته ؛ أي : ابتكرته ، من غير أن يكون موجودا في الخارج ، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمني والترجي والنداء والقسم أم لا : كأنت طالق ، وإن احتملهما من حيث هو فهو خبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية