الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          أبواب الأذان باب ما جاء في بدء الأذان

                                                                                                          189 حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال لما أصبحنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالرؤيا فقال إن هذه لرؤيا حق فقم مع بلال فإنه أندى وأمد صوتا منك فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك قال فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر إزاره وهو يقول يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد فذلك أثبت قال وفي الباب عن ابن عمر قال أبو عيسى حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق أتم من هذا الحديث وأطول وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه ويقال ابن عبد رب ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عم عباد بن تميم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في بدء الأذان ) أي في ابتدائه ، والأذان لغة الإعلام ، وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة ، قال الحافظ في الفتح : وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة فذكر تلك الأحاديث ، ثم قال : والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث ، وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة ، وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ، ثم حديث عبد الله بن زيد . انتهى كلام الحافظ . والمراد بحديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن زيد اللذان رواهما الترمذي في هذا الباب .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ) أبو عثمان البغدادي من شيوخ الترمذي والشيخين وغيرهم وثقه النسائي ، مات سنة 249 تسع وأربعين ومائتين .

                                                                                                          ( نا أبي ) هو يحيىبن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي الحافظ الكوفي نزيل بغداد ، لقبه الجمل ، صدوق يغرب ، كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة وهامشها : وثقه ابن معين والدارقطني والنسائي وأبو داود .

                                                                                                          ( عن محمد بن إبراهيم التيمي ) المدني كنيته أبو عبد الله ثقة له أفراد ، من الرابعة .

                                                                                                          ( عن محمد بن عبد الله بن زيد ) بن عبد ربه الأنصاري المدني ثقة ( عن أبيه ) هو عبد الله بن زيد الأنصاري الخزرجي صحابي مشهور أري الأذان ، مات سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عثمان .

                                                                                                          قوله ( إن هذه لرؤيا حق ) ، أي ثابتة صحيحة صادقة ( فإنه أندى ) قال الجزري في النهاية : [ ص: 481 ] أي أرفع وأعلى صوتا ، وقيل أحسن وأعذب ، وقيل أبعد ، انتهى . وفي القاموس : أندى كثر عطاياه أو حسن صوته ، انتهى . وفيه أيضا النداء بالضم والكسر الصوت والندى بعده ، وهو ندي الصوت كغني بعيده ، انتهى .

                                                                                                          قلت : والأحسن أن يراد بأندى هاهنا أحسن وأعذب وإلا لكان في ذكر قوله أمد بعده تكرار ، على هذا ففي الحديث دليل على اتخاذ المؤذن حسن الصوت ، وقد أخرج الدارمي وأبو الشيخ بإسناد متصل بأبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنحو عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان ، ولابن خزيمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت وصححه ابن السكن ، كذا في التلخيص والنيل .

                                                                                                          قلت : وحديث أبي محذورة هذا أخرجه النسائي أيضا ولفظه : قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن لنستهزئ بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل وكنت آخرهم ، فقال حين أذنت : تعال ، فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي فبرك علي ثلاث مرات ، ثم قال : اذهب فأذن عند البيت الحرام . . . الحديث .

                                                                                                          ( وأمد صوتا منك ) أي أرفع وأعلى صوتا منك ، وفيه دليل على اتخاذ المؤذن رفيع الصوت وجهيره ( فألق ) أمر من الإلقاء ( عليه ) أي على بلال ( ما قيل لك ) أي في المنام ( وليناد ) أي وليؤذن بلال ( بذلك ) أي بما تلقي إليه ( وهو يجر إزاره ) أي للعجلة جملة حالية ( لقد رأيت مثل الذي قال ) أي بلال يعني أذن ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلله الحمد ) حيث أظهر الحق ظهورا وازداد في البيان نورا ، قاله القاري ، والظاهر أن يقول حيث أظهر الحق إظهارا وزاد في البيان نورا .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر ) أخرجه الترمذي في هذا الباب .

                                                                                                          قوله : ( حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود فذكر فيه كلمات [ ص: 482 ] الأذان والإقامة ، وأخرجه ابن ماجه فلم يذكر فيه لفظ الإقامة وزاد فيه شعرا ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه فذكره بتمامه ، قال البيهقي في المعرفة : قال محمد بن يحيى الذهلي ليس في أخبار عبد الله بن زيد في فضل الأذان خبر أصح من هذا ، ؛ لأن محمدا سمعه من أبيه وابن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد ، انتهى . ورواه ابن خزيمة في صحيحه ، ثم قال : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : ليس في أخبار إلى آخر لفظ البيهقي ، وزاد : خبر ابن إسحاق هذا ثابت صحيح; ؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ، ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحاق ، انتهى .

                                                                                                          وقال الترمذي في علله الكبير : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : هو عندي صحيح . انتهى ، كذا في نصب الراية .

                                                                                                          واعلم أن الترمذي روى هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ " عن " ، ورواه أبو داود من طريقه عنه بلفظ " حدثني " ، ولذلك قال الذهلي وغيره : محمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه .

                                                                                                          قوله : ( وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول ، وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مرة مرة ) أخرجه أبو داود من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، ثنا أبي وهو إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد قال : قال حدثني أبي عبد الله بن زيد : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال : وما تصنع به؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له : بلى ، قال : فقال تقول : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، قال : ثم استأخر عني غير بعيد ، ثم قال : ثم تقول إذا أقمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلخ .

                                                                                                          قوله : ( ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان ) قال [ ص: 483 ] الحافظ في التلخيص بعد ذكر قول الترمذي هذا : وكذا قال البخاري ، وفيه نظر فإن له عند النسائي وغيره حديثا غير هذا في الصدقة ، وعند أحمد آخر في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم شعره وأظفاره وإعطائه لمن تحصل له أضحية . انتهى كلام الحافظ . قلت : إن كان هذان الحديثان صحيحين فلا شك في أن في قول الترمذي هذا نظرا وإلا فلا وجه للنظر كما لا يخفى على المتأمل فتأمل .




                                                                                                          الخدمات العلمية