الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( القاعدة السادسة والسبعون ) : الشريكان في عين مال أو منفعة إذا كانا محتاجين إلى رفع مضرة أو إبقاء منفعة أجبر أحدهما على موافقة الآخر في الصحيح من المذهب وفي رواية أخرى إن أمكن أحدهما أن يستقل بدفع الضرر فعله ولم يجبر الآخر معه لكن إن أراد الآخر الانتفاع بما فعله شريكه فله منعه حتى يعطيه حصة ملكه من النفقة فإن احتاجا إلى تجديد منفعة فلا إجبار .

ويندرج تحت ذلك صور : منها : إذا انهدم الحائط المشترك فالمذهب إجبار الممتنع منهما بالبناء مع الآخر نص عليه في رواية جماعة فإن الإجبار هنا من جنس المعاوضة في الأموال المشتركة واجبة لدفع الضرر بالانتزاع بالشفعة وبيع ما لا يمكن قسمته والمغني فيه أن المالك مستحق الانتفاع بملكه ويجب على شريكه تمكينه منه فإذا دار الأمر بين تعطيل الحق بالكلية وبين المعاوضة عليه فالمعاوضة عليه أولى لأنه يرجع فيها إلى الانتفاع بالبدل بخلاف التعطيل وأما الرواية الثابتة بعدم الإجبار فهي مأخوذة من نص أحمد على عدم الإجبار في بناء حيطان السفل إذا كان العلو لآخر وانهدم الكل أنه لا يجبر صاحب العلو على البناء مع صاحب السفل في السفل والفرق واضح لأن السفل ملكه مختص بصاحبه بخلاف الحائط المشترك ولذلك عقد الخلال لكل واحد منهما بابا وذكر النص بالإجبار في الحائط والنص بانتفائه بالصورة الأخرى وعلى تقدير ثبوت هذه الرواية في الحائط فللشريك الاستبداد ببنائه من ماله بغير إذن حاكم وصرح القاضي في خلافه واعتبر في المجرد استئذان الحاكم ونص أحمد على أنه يشهد على ذلك ، وله منع الشريك الآخر من الانتفاع بما كان له عليه من الحقوق إن أعاده بآلة جديدة من ماله وإن أعاده بآلته الأولى ففيه وجهان :

أحدهما : ليس له المنع لأنه عين ملكهما المشترك وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل والأكثرين .

والثاني : له المنع حتى يأخذ نصف قيمة التالف لأنه متقوم حيث وقع مأذونا فيه شرعا وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى والقاضي في خلافه وجزم به صاحب المحرر وافتتاح صاحب التلخيص عن بعض متأخري الأصحاب وإذا أعاده بآلة جديدة واتفقا على دفع القيمة جاز ، لكن هل المدفوع نصف قيمة البناء أو نصف ما أنفق عليه ؟ ذكر القاضي في خلافه فيه روايتين مأخذهما هل ذلك من باب الرجوع بما أنفق على ملكه بإذن معتبر أو هو [ ص: 143 ] معاوضة عن ملك الثاني كضمان سراية العتق والاستيلاد ، وإن امتنع الثاني من القول وطلب رفع البناء من أصله ليعيداه من مالهما فقد يتخرج على هذا البناء فإن قلنا هو رجوع بما أنفق على ملكه لم يكن له الامتناع وإن قلنا هو معاوضة فله ذلك وفي المجرد والفصول البناء على الإجبار ابتداء وعدمه فإن قلنا يجبر أجبر هنا على التبقية وإلا فلا وقد يقال هو معاوضة سواء كان بالقيمة أو بالنفقة كما أن زرع الغاصب يعاوض عنه بالقيمة على رواية وبالنفقة على أخرى والإجبار على المعاوضات لإزالة الضرر غير مستبعد فإن قيل فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بوضع خشبة على جداره فكيف منعتم ههنا ؟ قلنا إنما منعناها هنا من عود الحق القديم المتضمن ملك الانتفاع قهرا سواء كان محتاجا إليه أو لم يكن ، وأما التمكين من الوضع للارتفاق فتلك مسألة أخرى وأكثر الأصحاب يشترطون فيها الحاجة والتزم ابن عقيل في المفردات تخريج رواية من هذه المسألة منع الجار من وضع الخشب مطلقا ثم اعتذر بأن حق الوضع هنا سقط عقوبة لامتناعه من النفقة الواجبة وحمل حديث الزبير وشريكه في شراج الحرة على مثل ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية