الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في ترقيع الثوب

                                                                                                          1780 حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن محمد الوراق وأبو يحيى الحماني قالا حدثنا صالح بن حسان عن عروة عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان قال وسمعت محمدا يقول صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب ثقة قال أبو عيسى ومعنى قوله وإياك ومجالسة الأغنياء على نحو ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من رأى من فضل عليه في الخلق والرزق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل هو عليه فإنه أجدر أن لا يزدري نعمة الله عليه ويروى عن عون بن عبد الله بن عتبة قال صحبت الأغنياء فلم أر أحدا أكبر هما مني أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي وصحبت الفقراء فاسترحت

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا يحيى بن موسى ) البلخي لقبه خت بفتح المعجمة وتشديد المثناة أصله من الكوفة ثقة من العاشرة ( حدثنا سعيد بن محمد الوراق ) الثقفي أبو الحسن الكوفي نزيل بغداد ضعيف من صغار الثامنة ( وأبو يحيى الحماني ) بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي لقبه بشمين صدوق يخطئ ، ورمي بالإرجاء من التاسعة ( حدثنا صالح بن حسان ) النضري أبو الحارث المدني نزيل البصرة متروك من السابعة .

                                                                                                          قوله : ( إن أردت اللحوق بي ) أي ملازمتي في درجتي في الجنة كذا في التيسير ( فليكفك من الدنيا كزاد الراكب ) أي مثله وهو فاعل يكف أي اقتنعي بشيء يسير من الدنيا ، فإنك عابرة سبيل [ ص: 388 ] إلى منزل العقبى ( وإياك ومجالسة الأغنياء ) تحذير أي اتقي من مجالسة الأغنياء ( ولا تستخلقي ثوبا ) بالخاء المعجمة والقاف أي لا تعديه خلقا ، من استخلق ، الذي هو نقيض استجد ( حتى ترقعيه ) بتشديد القاف أي تخيطي عليه رقعة ثم تلبسيه . في شرح السنة قال أنس : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع ثوبه برقاع ثلاث لبد بعضها فوق بعض . وقيل : خطب عمر رضي الله تعالى عنه وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنا عشر رقعة انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث : رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها كلهم من رواية صالح بن حسان ، وهو منكر الحديث عن عروة عنها . وقال الحاكم : صحيح الإسناد وذكره رزين فزاد فيه : قال عروة : فما كانت عائشة تستجد ثوبا حتى ترقع ثوبها وتنكسه ، ولقد جاءها يوما من عند معاوية ثمانون ألفا فما أمسى عندها درهم ، قالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحما بدرهم ؟ قالت لو ذكرتني لفعلت انتهى ( سمعت محمدا ) يعني الإمام البخاري رحمه الله ( وصالح بن أبي حسان إلخ ) يعني أن صالح بن أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب غير صالح بن حسان المذكور في إسناد هذا الحديث ، فإن ذا ضعيف كما عرفت ، وهذا ثقة . قال الحافظ في التقريب : صالح بن أبي حسان المدني صدوق من الخامسة .

                                                                                                          قوله : ( من رأى من فضل عليه ) بالفاء والمعجمة على البناء للمجهول ( في الخلق ) بفتح الخاء أي الصورة ، ويحتمل أن يدخل في ذلك الأولاد والأتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا ( فلينظر إلى من هو أسفل منه ) وفي رواية : فلينظر إلى من تحته ، ويجوز في أسفل الرفع والنصب والمراد بذلك ما يتعلق بالدنيا ( ممن هو فضل عليه ) بصيغة المجهول ( فإنه أجدر ألا يزدري نعمة الله ) أي هو حقيق بعدم الازدراء وهو افتعال من زريت عليه وأزريت به إذا تنقصته في القاموس : هو يتنقصه يقع فيه ويذمه . وفي معناه ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن الشخير رفعه : أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله . قال ابن بطال : هذا الحديث جامع [ ص: 389 ] لمعاني الخير لأن المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها إلا وجد من هو فوقه ، فمتى طلبت نفسه اللحاق به استقصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه ، ولا يكون على حال خسيسة من الدنيا إلا وجد من أهلها من هو أخس حالا منه ، فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير أمر أوجبه ، فيلزم نفسه الشكر فيعظم اغتباطه بذلك في معاده . وقال غيره : في هذا الحديث دواء الداء ؛ لأن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه حسدا ودواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه ؛ ليكون ذلك داعيا إلى الشكر . وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية