الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

                                                                                                          183 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة قال أخبرنا أبو العالية عن ابن عباس قال سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان من أحبهم إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس قال وفي الباب عن علي وابن مسعود وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ ابن عفراء والصنابحي ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية قال أبو عيسى حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح قال علي ابن المديني قال يحيى بن سعيد قال شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى وحديث علي القضاة ثلاثة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( وهو ابن زاذان ) بزاي وذال معجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي ، ثقة ثبت عابد .

                                                                                                          ( أنا أبو العالية ) اسمه رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي ، ثقة كثير الإرسال من كبار التابعين .

                                                                                                          قوله : ( نهى عن الصلاة بعد الفجر ) أي بعد صلاة الفجر ( حتى تطلع الشمس ) وفي حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري " لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس " قال الحافظ في [ ص: 460 ] الفتح : ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص ، أي حتى تطلع مرتفعة .

                                                                                                          ( وعن الصلاة بعد العصر ) أي بعد صلاة العصر .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي ، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية ) أما حديث علي فأخرجه أبو داود عن عاصم بن ضمرة عنه بلفظ : قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر ، والحديث سكت عنه أبو داود ، وقال المنذري في تلخيصه : وقد تقدم الكلام على عاصم بن ضمرة .

                                                                                                          وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطحاوي بلفظ : " كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار " .

                                                                                                          وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                          وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الجماعة إلا البخاري بلفظ : " ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا " الحديث .

                                                                                                          وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                          وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                          وأما حديث سمرة بن جندب وحديث سلمة بن الأكوع فلم أقف عليهما .

                                                                                                          وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني .

                                                                                                          وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الأوسط .

                                                                                                          وأما حديث معاذ بن عفراء فذكر حديثه ابن سيد الناس في شرح الترمذي بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه .

                                                                                                          وأما حديث الصنابحي وهو بضم الصاد المهملة فأخرجه مالك وأحمد والنسائي .

                                                                                                          وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود بلفظ : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال " .

                                                                                                          وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه الطبراني .

                                                                                                          وأما حديث أبي أمامة فلم أقف عليه .

                                                                                                          وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود .

                                                                                                          وأما حديث يعلى بن أمية فلم أقف عليه .

                                                                                                          وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري .

                                                                                                          قال الحافظ في التلخيص : وفي الباب أيضا عن سعد بن أبي وقاص وأبي ذر وأبي قتادة وحفصة وأبي الدرداء وصفوان بن معطل وغيرهم .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .

                                                                                                          [ ص: 461 ] قوله : ( وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح . . . إلخ ) قال القاضي : اختلفوا في جواز الصلاة في الأوقات الثلاثة وبعد صلاة الصبح إلى الطلوع وبعد صلاة العصر إلى الغروب ، فذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقا ، وقد روي عن جمع من الصحابة فلعلهم لم يسمعوا نهيه عليه السلام أو حملوه على التنزيه دون التحريم ، وخالفهم الأكثرون فقال الشافعي : لا يجوز فيها فعل صلاة لا سبب لها ، أما الذي له سبب كالمنذورة وقضاء الفائتة فجائز لحديث كريب عن أم سلمة ، واستثنى أيضا مكة واستواء الجمعة لحديث جبير بن مطعم وأبي هريرة ، وقال أبو حنيفة : يحرم فعل كل صلاة في الأوقات الثلاثة سوى عصر يومه عند الاصفرار ، ويحرم المنذورة والنافلة بعد الصلاتين دون المكتوبة الفائتة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة . وقال مالك : يحرم فيها النوافل دون الفرائض . ووافقه غير أنه جوز فيها ركعتي الطواف ، كذا في المرقاة ، وقال النووي : أجمعت الأئمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها ، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها ، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة ، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي ، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر ، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة ، فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ما له سبب ، انتهى . قال الحافظ بعد نقل كلام النووي هذا : وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة ، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم ، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات وقد صح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( قال شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء . . . إلخ ) المقصود من ذكر هذا أن حديث الباب من طريق قتادة عن أبي العالية موصول ( وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 462 ] لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ) بفتح الميم والفوقية المشددة ، وقوله " أنا " عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ذلك صلى الله عليه وسلم تواضعا إن كان قاله بعد أن علم أنه سيد البشر ، وقيل : عبارة عن كل قائل يقول ذلك أي لا يفضل أحد نفسه على يونس عليه السلام ، قيل : وخص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة ، والحديث أخرجه البخاري وغيره .




                                                                                                          الخدمات العلمية