الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( من ملك من الإبل دون الخمس والعشرين فالواجب في صدقته الغنم وهو مخير بين أن يخرج الغنم وبين أن يخرج بعيرا ، فإذا أخرج الغنم جاز ; لأنه [ هو ] الفرض المنصوص عليه ، وإن أخرج البعير جاز ; لأن الأصل في صدقة الحيوان أن يخرج من جنس الفرض ، وإنما عدل إلى الغنم ههنا رفقا برب المال ; فإذا اختار أصل الفرض قبل منه ، كمن ترك المسح على الخف وغسل الرجل ، وإن امتنع من إخراج الزكاة لم يطالب إلا بالغنم ; لأنه هو الفرض المنصوص عليه ، وإن اختار إخراج البعير قبل منه أي بعير كان ، ولو أخرج بعيرا قيمته أقل من قيمة الشاة أجزأه ; لأنه أفضل من الشاة ; لأنه يجزئ عن [ ص: 360 ] خمس وعشرين فلأن يجزئ عما دونها أولى . وهل يكون الجميع فرضه أو بعضه ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) : أن الجميع فرضه ; لأنا خيرناه بين الفرضين ، فأيهما فعل كان هو الفرض ، كمن خير بين غسل الرجل والمسح على الخف . ( والثاني ) : أن الفرض بعضه ; لأن البعير يجزئ عن الخمس والعشرين ، فدل على أن كل خمس من الإبل يقابل خمس بعير ، وإن اختار إخراج الغنم لم يقبل دون الجذع والثني في السن لما روى سويد بن غفلة قال " أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نهينا عن الأخذ من راضع لبن ، وإنما حقنا في الجذعة والثنية " وهل يجزئ فيه الذكر ؟ وجهان : ( من أصحابنا ) من قال : لا يجزئه للخبر ; ولأنه أصل في صدقة الإبل ، فلم يجز فيها الذكر ، كالفرض من جنسه ، وقال أبو إسحاق : يجزيه [ ; لأنه ] حق لله تعالى لا يعتبر فيه صفة ماله ، فجاز فيه الذكر والأنثى كالأضحية ، وتجب عليه من غنم البلد إن كان ضأنا فمن الضأن ، وإن كان معزا فمن المعز ، وإن كان منهما فمن الغالب ، وإن كانا سواء جاز من أيهما شاء ; لأن كل مال وجب في الذمة بالشرع اعتبر فيه عرف البلد كالطعام في الكفارة . وإن كانت الإبل مراضا ففي شاتها وجهان : ( أحدهما ) : لا تجب فيه إلا ما تجب في الصحاح ، وهو ظاهر المذهب . ; لأنه لا يعتبر فيه صفة المال . فلم يختلف بصحة المال ومرضه كالأضحية . وقال أبو علي بن خيران : تجب عليه شاة بالقسط فتقوم الإبل الصحاح والشاة التي تجب فيها ، ثم تقوم الإبل المراض ، فيجب فيها شاة بالقسط ; لأنه لو كان الواجب من جنسه فرق بين الصحاح والمراض ، فكذلك إذا كان من غير جنسه وجب أن يفرق بين الصحاح والمراض ) .

                                      [ ص: 364 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب : إذا ملك من الإبل دون خمس وعشرين فواجبها الشاة كما سبق ، فإن أخرج بعيرا أجزأه . هذا مذهبنا . وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف . وعن مالك وأحمد وداود : أنه لا يجزئ كما لو أخرج بعيرا عن بقرة ، ودليلنا أن البعير يجزئ عن خمس وعشرين فما دونها أولى ; لأن الأصل أن يجب من جنس المال . وإنما عدل عنه رفقا بالمالك . فإذا تكلف الأصل أجزأه . فإذا أخرج البعير عن خمس أو عشر أو خمس عشرة أو عشرين أو دونها . هذا هو المذهب . وبه قطع المصنف والجمهور . ونص عليه الشافعي رضي الله عنه وفيه وجه أنه لا يجزئه البعير الناقص عن قيمة شاة عن خمس من الإبل . ولا الناقص عن شاتين عن عشر ، ولا الناقص عن ثلاث شياه أو أربع عن خمس عشرة أو عشرين . قاله القفال وصاحبه الشيخ أبو محمد . ووجه ثالث : إن كانت الإبل مراضا أو قليلة القيمة لعيب أجزأ البعير الناقص عن قيمة الشاة ، وإن كانت صحاحا لم يجزئه الناقص . ووجه [ ص: 361 ] رابع للخراسانيين : أنه يجب في الخمس من الإبل حيوان إما بعير وإما شاة وفي العشر حيوانات شاتان أو بعيران أو شاة وبعير وفي الخمس عشرة ثلاث حيوانات ، وفي العشرين أربع شياه أو أربعة أبعرة أو ثلاثة أو اثنان من الإبل والباقي من الغنم ، والصحيح ما قدمناه عن الشافعي والجمهور . أنه يجزئ البعير المخرج عن عشرين وإن كانت قيمته دون شاة ، وشرط البعير المخرج عن عشرين فما دونها أن يكون بنت مخاض فما فوقها بحيث يجزئ عن خمس وعشرين ، نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه . قال أصحابنا : ولو كانت الإبل العشرون فما دونها مراضا ، فأخرج منها مريضا أجزأه وإن كان أدونها ، نص عليه الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب ، ووجهه ما سبق ، قال أصحابنا : وإذا أخرج البعير عن خمس من الإبل فهل يقع كله فرضا أم خمسة فقط ؟ فيه وجهان مشهوران ، ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) : باتفاق الأصحاب : الجميع يقع فرضا ; لأنه مخير بين البعير والشاة ، فأيهما أخرج وقع واجبا ، كمن لبس الخف يتخير بين المسح والغسل ، وأيهما فعل واجبا . قال أصحابنا : ولأنه لو كان الواجب الخمس فقط لجاز إخراج خمس بعير ، وقد اتفق الأصحاب على أنه لا يجزئ .

                                      ( والثاني ) : أن خمس البعير يقع فرضا وباقيه تطوعا ; لأن البعير يجزئ عن خمس وعشرين ، فدل على أن كل خمس منه عن خمسة أبعرة ، قال أصحابنا : وهذان الوجهان : كالوجهين في المتمتع إذا وجب عليه شاة فنحر بدنة أو نذر شاة فنحر بدنة ، وفيمن مسح كل رأسه أو طول الركوع والسجود زيادة على المجزئ ، فهل يقع الجميع فرضا أم سبع البدنة وأقل جزء من الرأس والركوع والسجود ؟ فيه وجهان : ، قال أصحابنا : لكن الأصح في البدنة والمسح أن الفرض هو البعض ، وفي البعير في الزكاة كله . والفرق أن الاقتصار على سبع بدنة وبعض الرأس يجزئ ، ولا يجزئ هنا خمس بعير بالاتفاق ، ولهذا قال إمام الحرمين : من يقول : البعض هو الفرض يقول : هو بشرط التبرع بالباقي . قال صاحب التهذيب وغيره : الوجهان : مبنيان على أن الشاة الواجبة في الإبل أصل بنفسها أم بدل عن الإبل فيه وجهان : .

                                      ( فإن قلنا ) : أصل ، فالبعير كله فرض كالشاة وإلا فالخمس ، [ ص: 362 ] وتظهر فائدة الخلاف فيما لو عجل بعيرا عن خمس من الإبل ثم ثبت له الرجوع لهلاك النصاب أو لاستغناء الفقير أو غير ذلك من أسباب الرجوع : فإن قلنا : الجميع رجع في جميعه ، وإلا ففي الخمس فقط ; لأن التطوع لا رجوع فيه .



                                      ( فرع ) : قال أصحابنا : الشاة الواجبة من الإبل هي الجذعة من الضأن أو الثنية من المعز ، وفي سنها ثلاثة أوجه لأصحابنا مشهورة ، وقد ذكر المصنف المسألة في باب زكاة الغنم ( أصحها ) : عند جمهور الأصحاب الجذعة ما استكملت سنة ، ودخلت في الثانية والثنية ما استكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة ، سواء كان من الضأن أو المعز ، وهذا هو الأصح عند المصنف في المهذب ( والثاني ) : أن للجذعة ستة أشهر وللثنية سنة ، وبه قطع المصنف في التنبيه ، واختاره الروياني في الحلية ( والثالث ) : ولد الضأن من شاتين صار جذعا لسبعة أشهر ، وإن كان لهرمين فلثمانية أشهر .



                                      ( فرع ) : الشاة الواجبة هي جذعة الضأن أو ثنية المعز كما سبق ، فإن أخرج الأنثى أجزأه بلا خلاف ، وهي أفضل من الذكر ، وإن أخرج الذكر ففيه وجهان : مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) : عند الأصحاب يجزئ وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وهو المنصوص للشافعي رضي الله عنه كما يجزئ في الأضحية ( والثاني ) : لا يجزئه لحديث سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " اعتد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا تأخذها ، ولا تأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم ، وتأخذ الجذعة والثنية ، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره " صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح وسواء كانت الإبل ذكورا أو إناثا ، أو ذكورا وإناثا ، ففيها الوجهان ، هكذا صرح به الأصحاب وشذ المتولي وغيره فحكوا فيه طريقتين ( أصحهما ) : هذا ( والثاني ) : أن الوجهين إذا كانت كلها ذكورا وإلا ، فلا يجزئ الذكر ، والمذهب الأول ، قال أصحابنا : والوجهان : يجريان في شاة الجبران كما سنوضحه إن شاء الله تعالى .



                                      ( فرع ) : قال المصنف في المهذب : وتجب عليه الشاة من غنم البلد ، إن كان ضأنا فمن الضأن وإن كان معزا فمن المعز ، وإن كان منهما فمن [ ص: 363 ] الغالب ، فإن استويا جاز من أيهما شاء ، هذا كلامه وبه قطع البندنيجي من العراقيين ، وهو قول غريب ووجه ضعيف في طريقة الخراسانيين . ( وأما ) : المذهب المشهور الذي قطع به أصحابنا العراقيون ، وصححه جمهور الخراسانيين ، ونقله صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب عن جميع الأصحاب سوى صاحب المهذب ، أنه يجب من غنم البلد ، إن كان بمكة فشاة مكية أو ببغداد فبغدادية ولا يتعين غالب غنم البلد بل له أن يخرج من أي النوعين شاء . قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر : ولا نظر إلى الأغلب في البلد ; لأن الذي عليه شاة من غنم بلده يجوز في الأضحية ، هذا نصه . قال أصحابنا العراقيون وغيرهم : أراد الشافعي رضي الله عنه في النوعين الضأن والمعز ، وأراد أنه يتخير بينهما ، وأنه لا يتعين النوع الغالب منهما ، بل له أن يخرج من القليل منهما ; لأن الواجب شاة ، وهذه تسمى شاة وقد نقل إمام الحرمين عن العراقيين أنهم قالوا : يتعين غالب غنم البلد كما ذكره صاحب المهذب ، ونقل عن صاحب التقريب أنه نقله عن نص الشافعي ، وأنه نقل نصوصا أخر تقتضي التخيير ورجحها وساعده الإمام على ترجيحها . قال الرافعي : قال الأكثرون بترجيح التخيير ، وربما لم يذكروا سواه ، وأنكر على إمام الحرمين نقله عن العراقيين أنهم اعتبروا غالب غنم البلد في الضأن والمعز ، وهذا الذي أنكره الرافعي إنكار صحيح والمشهور في كتب جماهير العراقيين القطع بالتخيير وذكر إمام الحرمين والغزالي وغيرهما وجها غريبا أنه يتعين غنم نفسه إن كان يملك غنما ولا يجزئ غنم البلد . كما إذا زكى غنم نفسه . وحكى صاحب التتمة وجها ، وزعم أنه المذهب أنه يجوز من غير غنم البلد ، وهذا أقوى في الدليل ; لأن الواجب شاة وهذه تسمى شاة لكنه غريب شاذ في المذهب فحصل في المسألة أربعة أوجه ( الصحيح ) : المنصوص الذي عليه الجمهور أنه تجب شاة من غنم البلد ( والثاني ) : يتعين غنم نفسه ( والثالث ) : تتعين غالب غنم البلد ( والرابع ) : يجوز من غير غنم البلد قال أصحابنا : وإذا وجب غنم ، فأخرج غيرها من الغنم خيرا منها أو مثلها أجزأه ; لأنه يسمى شاة وإنما امتنع أن يخرج دونها والله تعالى أعلم .



                                      [ ص: 364 ] فرع ) : قال أصحابنا : الشاة الواجبة في الإبل يشترط كونها صحيحة بلا خلاف ، سواء كانت الإبل صحاحا أو مراضا ; لأنها واجبة في الذمة ، وما وجب في الذمة كان صحيحا سليما ، لكن إذا كانت الإبل صحاحا وجب شاة صحيحة كاملة بلا خلاف ، وإن كانت الإبل مراضا ، فله أن يخرج منها بعيرا مريضا ، وله إخراج شاة ، فإن أخرج شاة فوجهان : مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) : عند المصنف وغيره يجب شاة كاملة كما تجب في الصحاح ; لأنه لا يعتبر فيه صفة ماله فلم يختلف بصحة المال ومرضه كالأضحية ( والثاني ) : وهو قول أبي علي بن خيران : تجب شاة بالقسط ، فيقال : خمس من الإبل قيمتها مراضا خمسمائة وصحاحا ألف ، وشاة الصحاح تساوي عشرة ، فتجب شاة صحيحة تساوي خمسة ، فإن لم يوجد بهذه القيمة شاة صحيحة قال صاحب الشامل : فرق الدراهم على الأصناف للضرورة ، وهذا كما ذكره الأصحاب في اجتماع الحقاق وبنات اللبون في مائتين ، إذا أخذ الساعي غير الأغبط ، ووجب أخذ التفاوت ولم يمكن شراء جزء من بعيريه ، فإنه يفرقه دراهم . والله تعالى أعلم .

                                      ( فرع ) : في شرح ألفاظ الكتاب ( قوله ) : لما روى سويد بن غفلة قال { أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : نهينا عن الأخذ من راضع لبن ، وإنما حقنا في الجذعة والثنية } هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وغيرهما مختصرا قال { فإذا كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نأخذ من راضع لبن } ولم يذكر الجذعة والثنية ، وإسناده حسن ، لكن ليس فيه دليل للجذعة والثنية الذي هو مقصود المصنف ، والمراد براضع لبن السخلة ، ومعناه لا تجزئ دون جذعة وثنية ، أي : جذعة ضأن وثنية معز ، هذا هو الصحيح المختار في تفسيره ، وهو معنى كلام جماعة من أصحابنا ، وقال الخطابي : المراد براضع لبن هنا ذات الدر ، قال : والنهي عنها يحمل على وجهين : ( أحدهما ) : ألا يأخذها الساعي ; لأنها من خيار المال ، ويكون تقديره ولا يأخذ راضع لبن ، وتكون لفظة ( من ) : زائدة كما يقال : لا نأكل من الحرام أي : الحرام .

                                      ( والوجه الثاني ) : ألا يعد ذات الدر المتخذة له ، فلا زكاة فيها ، هذا كلام الخطابي وهو ضعيف جدا أو باطل ; لأن الوجه الثاني مخالف لما أطبق عليه [ ص: 365 ] الفقهاء أن الزكاة تجب في الجميع ، فإن حملت ذات الدر على معلوفة ، فليس له اختصاص بذات الدر . وأما الوجه الأول فبعيد وتكلف لا حاجة إليه ، وإنما نبهت على ضعف كلامه لئلا يغتر به كما اغتر به ابن الأثير في كتابه نهاية الغريب ، والله أعلم . وسويد بن غفلة بغين معجمة ثم فاء مفتوحتين ، وسويد جعفي كوفي تابعي مخضرم كنيته أبو أمية ، أدرك الجاهلية ، ثم أسلم وقال : أنا أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وعمر كثيرا ، قيل : مات سنة إحدى وثمانين ، وقيل : بلغ مائة وإحدى وثلاثين سنة . وقول المصنف : ولأنه أصل في صدقة الإبل فلم يجز فيه الذكر كالفرض من جنسه قال القلعي : قوله أصله احتراز من ابن لبون في خمس وعشرين عند عدم بنت مخاض ( وقوله ) : في صدقة الإبل احتراز من التبيع في ثلاثين من البقر ( وقوله ) ; لأنه حق الله تعالى ، لا يعتبر فيه صفة ماله ، فجاز فيه الذكر والأنثى كالأضحية ( وقوله ) : حق الله تعالى احتراز من القرض والسلم في الأنثى ( وقوله ) : لا يعتبر فيه صفة ماله ، احتراز من النصاب الذي يجب فيه من جنسه ، ما عدا ثلاثين من البقر ( وقوله ) : لأن كل مال وجب في الذمة بالشرع اعتبر فيه عرف البلد احتراز من المسلم فيه والقرض والنذر ( وقوله ) : لأنه لا يعتبر فيه صفة المال ، فلم يختلف بصحة المال ، فيه احتراز مما إذا كانت الزكاة من جنس المال المزكى ، فإنه يؤخذ من المراض مريضة .



                                      ( فرع ) : في مذاهب العلماء في نصب الإبل أجمعوا على أن في أربع وعشرين فما دونها الغنم كما سبق ، وأجمعوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض إلا ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال " فيها خمس شياه ، فإذا صارت ستا وعشرين ، ففيها بنت مخاض " واحتج له بحديث جاء عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم " في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه ، فإذا بلغت ستا وعشرين ، ففيها بنت مخاض " ودليلنا حديث أنس السابق في أول الباب . وأما حديث [ ص: 366 ] عاصم بن ضمرة فمتفق على ضعفه ووهائه وقال ابن المنذر : أجمعوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض ، ولا يصح عن علي ما روي عنه فيها ، قال : وأجمعوا على أن مقدار الواجب فيها إلى مائة وعشرين على ما في حديث أنس ، فإذا زادت على مائة وعشرين فمذهب الشافعي رضي الله عنه والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود أن في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ، ثم في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة كما سبق إيضاحه .

                                      وحكى ابن المنذر عن محمد بن إسحاق صاحب المغازي وأبي عبيد ورواية عن مالك وأحمد : أنه لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وثلاثين . وعن مالك رواية كمذهبنا ، ورواية ثالثة أن الساعي يتخير في مائة وإحدى وعشرين بين ثلاث بنات لبون وحقتين . وقال إبراهيم النخعي والثوري وأبو حنيفة : إذا زادت على عشرين ومائة يستأنف الفريضة فيجب في خمس شاة وفي عشر شاتان وخمس عشرة ثلاث شياه وعشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض فيجب في مائة وخمس وعشرين حقتان وشاة وفي مائة وثلاثين حقتان وشاتان وفي مائة وخمس وثلاثين حقتان وثلاث شياه ، وفي مائة وأربعين حقتان وأربع شياه ، وفي مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ، ثم يستأنف الفريضة بعد ذلك ، وعلى هذا القياس أبدا . وحكى أصحابنا عن محمد بن جرير الطبري أنه قال يتخير بين مقتضى مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة وحكاه الغزالي في الوسيط عن ابن خيران فأوهم أنه قول أبي علي بن خيران من أصحابنا وأنه وجه من مذهبنا ، وليس كذلك بل اتفق أصحابنا على تغليط الغزالي في هذا النقل وتغليط شيخه في النهاية في نقله مثله ، وليس هو قول ابن خيران ، وإنما هو قول محمد بن جرير الطبري : وحكى ابن المنذر عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة أنه قال : في خمس وعشرين ومائة حقتان وبنت مخاض ، وجاءت آثار ضعيفة تمسك بها كل من ذهب من هؤلاء الأئمة . والصواب ما ذهب إليه الشافعي وموافقوه ، وعمدتهم حديث أنس السابق في أول الباب ، وهو صحيح صريح ، وما خالفه ضعيف أو دونه والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية