الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين

                                                                                                          1741 حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع خاتما من ذهب فتختم به في يمينه ثم جلس على المنبر فقال إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني ثم نبذه ونبذ الناس خواتيمهم قال وفي الباب عن علي وجابر وعبد الله بن جعفر وابن عباس وعائشة وأنس قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح وقد روي هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر نحو هذا من غير هذا الوجه ولم يذكر فيه أنه تختم في يمينه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين ) اعلم أنه قد وردت الأحاديث في التختم في اليمين وفي التختم في اليسار ، وقد اختلف أهل العلم في الجمع بين هذه الأحاديث المختلفة ، فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين وجمعوا بذلك بين [ ص: 343 ] مختلف الأحاديث ، وإلى ذلك أشار أبو داود حيث ترجم : باب التختم في اليمين واليسار ، ثم أورد الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح ، وقال البيهقي في الأدب : يجمع بين هذه الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه وهو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر والذي لبسه في يساره وهو خاتم الفضة ، وأما رواية الزهري عن أنس التي فيها التصريح بأنه كان من فضة ولبسه في يمينه ، فكأنها خطأ فقد تقدم أن الزهري وقع له وهم في الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه وقع في روايته أنه الذي كان من فضة وأن الذي في رواية غيره أنه الذي كان من ذهب ، فعلى هذا فالذي كان لبسه في يمينه هو الذهب انتهى ملخصا .

                                                                                                          وجمع غيره بأنه لبس الخاتم أولا في يمينه ثم حوله إلى يساره ، واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ وابن عدي من رواية عبد الله بن عطاء عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم إنه حوله في يساره . قال الحافظ : فلو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ولكن سنده ضعيف انتهى . وأخرج ابن سعد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال : طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه الذهب ثم تختم خاتما من ورق فجعله في يساره ، وهذا مرسل أو معضل . وقد جمع البغوي في شرح السنة بذلك وأنه تختم أولا في يمينه ، ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين ، وتعقبه الطبري بأن ظاهره النسخ ، وليس ذلك مراده بل الإخبار بالواقع اتفاقا .

                                                                                                          قال الحافظ : ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد ، فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل وإن كان للتختم به فاليسار أولى ; لأنه كالمودع فيها ويحصل تناوله منها باليمين ، وكذا وضعه فيها ، ويترجح التختم في اليمين مطلقا ؛ لأن اليسار آلة الاستنجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة ، ويترجح التختم في اليسار بما أشرت إليه من التناول انتهى .

                                                                                                          وقال النووي في شرح مسلم : أجمع الفقهاء على جواز التختم في اليمين ، وعلى جوازه في اليسار ، ولا كراهة في واحدة منهما ، واختلفوا أيتهما أفضل فتختم كثيرون من السلف في اليمين وكثيرون في اليسار ، واستحب مالك اليسار وكره اليمين ، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا ، الصحيح أن اليمين أفضل ؛ لأنه زينة واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن عبيد ) بن محمد بن واقد المحاربي الكندي أبو جعفر النحاس الكوفي صدوق من العاشرة .

                                                                                                          قوله : ( صنع خاتما ) أي أمر بصنعه فصنع له ( من ذهب ) أي ابتداء قبل تحريم الذهب على [ ص: 344 ] الرجال ( ثم نبذه إلخ ) وهذا يحتمل أن يكون كرهه من أجل المشاركة أو لما رأى من زهوهم بلبسه . ويحتمل أن يكون لكونه من ذهب وصادف وقت تحريم لبس الذهب على الرجال ، ويؤيد هذا رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر عند البخاري بلفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه فقال : " لا ألبسه أبدا وحديث ابن عمر هذا ، كذا رواه الترمذي مختصرا ، وزاد البخاري من طريق عبيد الله عن نافع وقال : " لا ألبسه أبدا " ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وجابر وعبد الله بن جعفر إلخ ) أما حديث علي فأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وابن حبان في صحيحه عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه . وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في الشمائل ، قال الحافظ بسند لين ، وأما حديث عبد الله بن جعفر وحديث ابن عباس فأخرجهما الترمذي في هذا الباب . وأما حديث عائشة فأخرجه البزار بسند لين وأبو الشيخ بسند حسن قاله الحافظ في الفتح . وأما حديث أنس فأخرجه مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه . وفي الباب أيضا عن أبي أمامة عند الطبراني بسند ضعيف ، وعن أبي هريرة عند الدارقطني في غرائب مالك بسند ساقط ، قاله الحافظ في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه ابن سعد وأصله في الصحيحين .




                                                                                                          الخدمات العلمية