الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الرخصة في لبس الحرير في الحرب

                                                                                                          1722 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قمص الحرير قال ورأيته عليهما قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( شكيا القمل ) قال في الصراح : قمل سبس قملة يكي انتهى ( فرخص لهما في قمص [ ص: 316 ] الحرير ) بضم القاف والميم جمع قميص ، وفي رواية عند الشيخين : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة بهما . ورجح ابن التين الرواية التي فيها الحكة وقال لعل أحد الرواة تأولها فأخطأ ، وجمع الداودي باحتمال أن يكون إحدى العلتين بأحد الرجلين ، وقال ابن العربي : قد ورد أنه أرخص لكل منهما ، فالإفراد يقتضي أن لكل حكمة . قال الحافظ في الفتح : ويمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب انتهى .

                                                                                                          وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه باب الحرير في الحرب ، وروى فيه حديث الباب من خمس طرق ، وفي بعضها أن عبد الرحمن والزبير شكيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل ، فأرخص لهما في الحرير فرأيته عليهما في غزاة . قال الحافظ في الفتح : وأما تقييده بالحرب فكأنه أخذه من قوله : فرأيته عليهما في غزاة ، ووقع في رواية أبي داود : في السفر من حكة ، وجعل الطبري جوازه في الغزو مستنبطا من جوازه للحكة ، فقال : دلت الرخصة في لبسه بسبب الحكة أن من قصد بلبسه ما هو أعظم من أذى الحكة كدفع سلاح العدو ونحو ذلك فإنه يجوز ، وقد تبع الترمذي البخاري فترجم له : باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ، ثم المشهور عن القائلين بالجواز أنه لا يختص بالسفر وعن بعض الشافعية يختص . وقال القرطبي : الحديث حجة على من منع إلا أن يدعي الخصوصية بالزبير وعبد الرحمن ، ولا تصح تلك الدعوى . قال الحافظ : قد جنح إلى ذلك عمر فروى ابن عساكر من طريق ابن عوف عن ابن سيرين أن عمر رأى على خالد بن الوليد قميص حرير فقال : ما هذا ، فذكر له خالد قصة عبد الرحمن بن عوف ، فقال : وأنت مثل عبد الرحمن ، أو لك مثل ما لعبد الرحمن ، ثم أمر من حضره فمزقوه ورجاله ثقات ، إلا أن فيه انقطاعا .

                                                                                                          وقد اختلف السلف في لباسه فمنع مالك وأبو حنيفة مطلقا . وقال الشافعي وأبو يوسف بالجواز للضرورة ، وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون أنه يستحب في الحرب . وقال المهلب : لباسه في الحرب لإرهاب العدو وهو مثل الرخصة في الاحتيال في الحرب . ووقع في كلام النووي تبعا لغيره أن الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من البرودة ، وتعقب بأن الحرير حار ، فالصواب أن الحكمة فيه لخاصة فيه لدفع ما تنشأ عنه الحكة كالقمل انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة .




                                                                                                          الخدمات العلمية