الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 312 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا تجب فيما لا يملكه ملكا تاما كالمال الذي في يد مكاتبه لأنه لا يملك الصرف فيه فهو كمال الأجنبي ، وأما الماشية الموقوفة عليه فإنه ينبني على أن الملك في الموقوف إلى من ينتقل بالوقوف ، وفيه قولان : ( أحدهما ) ينتقل إلى الله تعالى فلا تجب زكاته ، ( والثاني ) ينتقل إلى الموقوف عليه ، وفي زكاته وجهان ( أحدهما ) تجب لأنه يملكه ملكا [ تاما ] مستقرا فأشبه غير الموقوف ، ( والثاني ) لا تجب لأنه ملك ضعيف ، بدليل أنه لا يملك التصرف في رقبته ، فلم تجب الزكاة فيه كالمكاتب وما في يده ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا كانت الماشية موقوفة على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى وشبه ذلك فلا زكاة فيها بلا خلاف ، لأنه ليس لها مالك معين ، وإن كانت موقوفة على معين سواء كان واحدا أو جماعة ، فإن قلنا بالأصح : إن الملك في رقبة الموقوف لله تعالى فلا زكاة بلا خلاف ، كالوقف على جهة عامة . وإن قلنا بالضعيف : إن الملك في الرقبة للموقوف عليه ففي وجوبها عليه الوجهان المذكوران في الكتاب بدليليهما ( أصحهما ) لا تجب ، فإن قلنا : تجب فأخرجها من موضع آخر أجزأه ، فإن أراد إخراجها من نفس الموقوفة فوجهان حكاهما صاحب البيان وغيره ( أصحهما ) لا يجوز ، وبه قطع صاحب العدة لأنه لا يملك التصرف فيها بإزالة الملك ( والثاني ) يجوز ، لأنا جعلناه كالمطلق في وجوب الزكاة على هذا الوجه . قال صاحب البيان : ومقتضى المذهب أنا إن قلنا : تتعلق الزكاة بالعين جاز الإخراج منه وإلا فلا والله أعلم .



                                      ( فرع ) : الأشجار الموقوفة من نخل وعنب ، قال أصحابنا : إن كانت موقوفة على جهة عامة كالمساجد والربط والمدارس والقناطر والفقراء والمساكين ونحو ذلك فلا عشر في ثمارها ، وإن كانت على معينين وجب العشر في ثمارها إذا بلغت نصابا بلا خلاف ، ويخرجها من نفس الثمرة إن شاء لأنه يملك الثمرة ملكا مطلقا . هكذا ذكر أصحابنا المسألة في جميع طرقهم [ ص: 313 ] وحكى ابن المنذر في الأشراف عن الشافعي ومالك رضي الله عنهما إيجاب العشر في الثمار الموقوفة في سبيل أو على قوم بأعيانهم . وعن طاوس ومكحول لا زكاة . وعن أبي عبيد وأحمد : إن كانت على جهة لم تجب ، وإن كانت على معين وجبت . قال ابن المنذر : وبه أقول . قال صاحب البيان في باب زكاة الزرع . قال الشيخ أبو نصر : هذا الذي نقله ابن المنذر عن الشافعي ليس بمعروف عنه عند أصحابنا والله أعلم . قال أصحابنا : وهكذا حكم الغلة الحاصلة في أرض موقوفة ; إن كانت على معينين وجبت زكاتها بلا خلاف ، وإن كانت على جهة عامة لم تجب على المذهب وعلى رواية ابن المنذر تجب ، وفي المسألة زيادة سنعيدها إن شاء الله تعالى في المسائل الزائدة بعد باب زكاة الزرع ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية